تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[14 Aug 2007, 09:01 م]ـ

رحلة القرآن العظيم (23)

قال الله تعالى في كتابه العزيز: ? وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ? [المزمل: 4]، وقال -عليه الصلاة والسلام-: (زينوا القرآن بأصواتكم) وقال أيضاً: (ليس منا من لم يتغنى بالقرآن).

وعن عائشة قالت: (استبطأني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة فقال: ما حبسكِ؟ قلت: إن في المسجد لأحسن من سمعت صوتاً بالقرآن، فأخذ ردائه وخرج يسمعه، فإذا هو سالم مولى أبي حذيفة، فقال: الحمد لله الذي جعل في أمتي مثلك).

للقرآن أغراض منها: الإعلام والتنبيه، والأمر والنهي، والوعد والوعيد، ووصف الجنة والنار، والاحتجاج على المخالفين، والرد على الملحدين، والبيان عن الرغبة والرهبة، والخير والشر، والحسن والقبيح، ومدح الأبرار، وذم الفجار، إلى غير ذلك.

وليس طبيعياً أن نقرأ هذه الموضوعات بأسلوب واحد، وإذا كان ترنم الباكي مقبولاً في آيات التوبة والاستغفار فهو مقبول في غير ذلك، مما يسعد ويبهج ويبعث الطمأنينة في النفس البشرية.

وقراءة القرآن قرآءة معبرة أمر قديم.

قال الزمخشري في "أساس البلاغة": «ومن المجاز صوت حزين» أي رخيم.

يقول ابن قتيبة: «أول من قرأ بالألحان عبد الله بن أبي بكرة، وكانت قراءته حزناً» أي فيها رقة صوت ليست على شيء من ألحان الغناء، ولا الحداء.

وبكى الطبيب البصري ناصر جويه وهو يهودي حين سمع قراءة القرآن العظيم من أبي الخوخ المقرئ، فقيل له: كيف بكيت من كتاب الله ولا تصدق به؟ قال: إنما أبكاني المعنى في الشجا.

للقرآن العظيم تقطيعاته الخاصة به، وهي نابعة من ذاته، يدركها كل مقرئ ويشعر بها من فيض إحساسه، وهذا ما جعل العرب يحارون أثناء قراءته أو سماعهم له، فلم يعرفوا بما يصفونه، أسحر هو أم شعر، أم هو الشيء الذي يدخل القلوب فتخشع الذات له من غير استئذان، وهذا هو الإعجاز، وهذا هو الفن.

ومن بدائعه أن نرى في مضمونه دلائل فريدة تنبع من حروفه المتزنة العظيمة، فنرى فيه الانسجام وهو كما يقول عنه ابن أبي الإصبع: يأتي منحدراً كتحدر الماء المنسجم بسهولة سبك وعذوبة لفظ، وسلامة تأليف، حتى يكون للجملة من المنثور وللبيت من الموزون وقع في النفوس، وتأثير في القلوب.

وهو كما يقول السيوطي: لسهولة تركيبه وعذوبة ألفاظه يسيل رقة.

وإذا قوي الانسجام في النثر جاءت قراءته موزونة من غير قصد.

ومن بلاغة القرآن العظيم ما نراه في الإبدال وهو إقامة بعض الحروف مكان بعض، ومنه قوله: ?انفَلَقَ? بدل "انفرق"، ولهذا قال: ? فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ ? [الشعراء: 63]، فالراء واللام متتابعان.

ومنه ? إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ ? [ص: 32]، أي "الخيل" والتخفيف من بلاغة القرآن المنبعثة من داخله بمعانٍ شتى من المدح والوصف وغير ذلك من الفنون، كل جملة منفصلة عن أختها مع تساوي الجمل في الوزن، ومنه قوله تعالى في سورة الشعراء: ? الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) ? [الشعراء: 78: 81].

واستخدم القرآن العظيم في مفرداته التعداد كأسلوب جميل رائع، ونلاحظ اللفظة المفردة على سياق واحد، كقوله جل شأنه في سورة الحشر: ? هُوَ اللهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ? [الحشر: 23]، وقوله في سورة التحريم: ? مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ? [التحريم: 5]، وقوله في سورة التوبة: ? التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ ? [التوبة: 112].

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير