ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[14 Aug 2007, 09:04 م]ـ
رحلة القرآن العظيم (24 والأخيرة)
دخلت المطابع البلاد العربية والإسلامية ونشطت طباعة القرآن العظيم تحت إشراف هيئات من العلماء بعد حوار طويل بين التحريم والتحليل.
وكانت مطبعة دير قزحية جنوب شرق طرابلس في بلدة إهدن من أقدم المطابع التي أنشئت في الشرق، وكان وجودها سنة 1610 ميلادية باعثاً على نشر الثقافة في المنطقة العربية.
وبدأت تطبع باللغة السريانية والحرف العربي الكرشوني، ثم باللغة العربية وبالحرف العربي.
ثم قامت في حلب المطبعة الملكانية بإشراف البطريق أثناثيوس الثاني دباس الأرثودكسي سنة 1710 ميلادية.
ثم مطبعة عبد الله زاخر سنة 1722 ميلادية، ثم تتالت المطابع بعدها، وحمل نابليون بونا بارت معه إلى مصر المطبعة سنة 1798ميلادية، وجهزها بحروف عربية وفرنسية.
وأفتى شيخ الإسلام من مقره اسطنبول 1716 بجواز استخدام حروف الطباعة، وأنشأت مطبعة بولاق سنة 1802، وفي حلب أيضاً أنشأ الوالي جودت باشا مطبعة فورات بالحروف العربية والتركية، وفي دمشق كانت مطبعة الدوماني التي توقفت سنة 1885 ميلادية، ثم المطبعة الرسمية سنة 1864 ميلادية.
وكانت تطبع بالعربية والتركية، وقامت الطباعة أول الأمر على الحجر الجيري اللين، واستخدام ألواح معدنية، ينفذ منها الرسم بقلم خاص مشبع بالمادة الدهنية.
وتمت طباعة المصاحف المحفوظة بأخذ صور منها على الحجر، وطباعة أنفسها وأضبطها للقراءة.
وخرج إلى النور طبعات من المصحف العظيم بخط الحافظ عثمان وغيره، وهي غاية في النفاسة والجمال.
وحرم العلماء في البدء طباعة القرآن العظيم بالحروف التنضيدية والسبب في ذلك وقوع أخطاء شنيعة كما حدث في مصحف هامبورج وغيره، وقد يسلم الخطأ إن كان المصحف مخطوطاً ونقل كما هو لطباعته، بالإضافة إلى كل ذلك فإن المصحف المخطوط يحمل سمات الجمال بالحرف والشكل والهيئة، وهي صفات قصر عنها الحرف الطباعي.
وفي الهند خط محمد روح الله اللاهوري مصحفاً عمد فيه إلى إعجاز تنسيقي في طريقة الكتابة، فجعل في الصفحة ثلاثة وعشرين سطراً، وهي سني البعثة التي دامت تأريخياً بدعوة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، والقرآن العظيم تنزل على قلب النبي -صلى الله عليه وسلم- خلال ثلاث وعشرين سنة، ثم التزم أن يكون أول كل سطر من القرآن كلمة أولها حرف ألف، وحرف الألف هو الذي يعد في الأبجديات كلها رقم واحد.
والمصحف هذا الذي خطه اللاهوري أخذت عنه صورة وطبع بالهند، ونلاحظ فيه خط النسخ المشرقي ويختلف هذا النمط عن النسخ الذي تطور على يد الحافظ عثمان، فرأس الواو عند الحافظ عثمان مفتوحة، وهي هنا مطموسة، وميزان الحروف مختلف عما هو في مصاحف الفترة العثمانية، ومما هو لطيف في هذا المصحف أن قام الخطاط بكتابة أنواع البسملة التي تطورت عبر التاريخ منذ بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- وحتى عصرنا الحاضر.
وكتب لكل صورة بسملة خاصة، وهذا يدل أيضاً على الغنى الفني الذي يأتي لمن يكتب أو يخط المصحف العظيم.
كما وضع أشكالاً لتقسيمات المصحف داخل إطار مزخرف وأسلوب المصحف هذا هو ما عُرف عند علماء الفن والرسم بخط بلاد ما وراء النهر.
وناسخ النسخة الحافظ محمد روح الله بن الحافظ محمد حسين اللاهوري الهندي هو من القلائل المبدعين الذين تفننوا في كتابتهم للمصحف، وكان بارعاً عجيباً في تراثه الذي تركه، فقد كتب في سنة 1109 هجرية مصحفاً شريفاً عدد أوراقه 305 ورقة صغيرة، مثمنة الأضلاع في خمسين يوماً.
وحلى أوله بالذهب، والألوان كما كتب مصحفين كل منهما في ثلاثين ورقةً، والتزم أن يكون أول كل سطر في صحائفها كلمة أولها حرف الألف.
وهذه النسخ تحتفظ بها دار الكتب العربية بالقاهرة.
لم يصمد المصحف المطبوع بطريقة التنضيد طويلاً، ولم تستسغه مشارب المسلمين في أصقاع الأرض، ولم يرقى إلى مرتبة المصحف المخطوط الذي يصور بطريقة الطباعة الحجرية أو بطرائق أخرى.
وصنع الصفائح المعدنية وإعدادها لتحمل جمال حرف القرآن، الذي خطه الخطاط المسلم بكل صفاء وحس واطمئنان.
¥