ودارت عجلة الزمان، ودارت عجلات المطابع وتطورت طرق التصوير، فأخرجت لنا مصاحف من الأصل المكتوب على غاية من الروعة، وتكاد تكون أشبه بالنسخة المخطوطة، فقد ساد في أوائل القرن الماضي مصحف الحافظ عثمان في بلاد الشام والعراق ومصر، ثم انتصف القرن الماضي لتخرج لنا المطابع مصحفاً جميلاً خط بالنسخ الجميل، ولكن عرض القلم الذي كُتب به أكثر سمكاً من قلم الحافظ عثمان، مما جعل العامة يقبلون عليه لوضوح حرفه وسهولة قراءته بالرغم من أن آياته غير مرقومة.
خط هذا المصحف وعرف بمصحف مصطفى نظيف الشهير بقدر غالي، وطبع في ألمانيا بمطبعة تنو إيس.
في ذي الحجة الشريفة لسنة 379 بعد الألف الهجرية. بإشراف السيد عزيز بوز قوردوا إبراهيم برق ألب، خط المصحف على خمسة عشر سطراً.
ورتب على أن يكون نهاية آية، وهو سهل للحافظ كي يراجع فيه من حيث تقسيماته وترتيبه.
وقد خطت رؤوس الآيات فيه بقلم الإجازة، وكنا قد لاحظنا في المصاحف التي مررنا عليها في الحلقات الماضية أن الخطاط يخط رؤوس الآيات بقلم الكوفي أو بقلم التوقيع، ليميزها عن كتابة القرآن العظيم، وقد بقي هذا النظام سنةً متبعةً لخطاطي المصاحف، إذ لابد من تمييز رأس السورة بخط يخالف نص القرآن، وما نشاهده في هذا المصحف الجميل خلو علامات التخميس والتعشير بالرغم من عدم ترقيم الآيات، واكتفى بوضع مرصعات على الهامش تحمل علامات الأجزاء والأحزاب والسجدات، وميز كل واحدة بشكل يحمل سمات الزخرفة العثمانية التي تطورت من الدائرة تحتضنها بعض التشغيرات.
كما حمل المصحف رموز سجواند التي تدل على الوقف والابتداء، وطبعت باللون الأحمر فحرف الميم علامة على لزوم الوقف ولزوم اصطلاحي لا شرعي كلزوم الوقف على ? إِلاَّ اللهُ ? في قوله تعالى: ? وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ ? [آل عمران: 7]. ثم يبتدئ بقوله: ? وَالرَّاسِخُونَ ? وحرف الطاء علامة على الوقف المطلق المجرد عن اللزوم والجواز، وحرف الجيم علامة على جواز الوقف والتخيير بين الوقف والوصل، لكن الوقف أولى.
وحرف الصاد علامة الرخصة فإذا ضاق نفس القارئ يقف ثم لا يعيد ويبتدئ مما بعدها، وحرف الراء علامة الجواز، والوصل أولى من الوقف، وحرف "لا" علامة على عدم جواز الوقف، ومعناها لا تقف فإن المعنى غير تام، ولو وقف بحسب الضرورة يعيد الكلمة الموقوف عليها، وإذا كانت "لا" في منتهى الآية فيقف ثم لا يعيدها.
وحرف "القاف" علامة الوصل عند أكثر القراء ويجوز الوقف، وكلمة "قف" أمر من الوقف، ومعناها "قف وقفة لطيفة". وهذا علامة على أن الوقف أولى من الوصل، إشارة إلى أن في الوقف فائدة في المعنى.
وحرف "عين" علامة على الركوع، يعني إن كان القارئ في الصلاة وأراد أن يركع فالمناسب له أن يركع في تلك العلامة؛ لأنها إشارة إلى تمام المعنى والموعظة أو القصة.
وعلامة النقاط المتراكبة الثلاث إشارة إلى وقوف المعانقة، والتالي إذا وقف في النقط الأولى لا يقف في الثانية، وإذا لم يقف في الأولى وقف في النقط الثانية، ليصح المعنى المقصود، وإذا وقف في كليهما لا يتم المعنى.
ولنقرأ في هذا المصحف ونشاهد رموز ساجاوند في سورة "ص": بسم الله الرحمن الرحيم ? ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2) كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ (3) وَعَجِبُوا أَن جَاءَهُم مُّنْذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآَخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاَقٌ (7) أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَل لَّمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (8) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (9) ? [ص: 1: 9].
ما من وسيلة أو رمز يخدم نص قراءة القرآن العظيم إلا وطرقه المسلمون بكل أمانة ودقة حفاظاً على سلامة نطق مخارج حروف العربية، من فيّ من إذا أراد أن يرتل القرآن ترتيلاً.
¥