تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولو عندنا إلى القرنين الهجريين الأول والثاني، لرأينا نساخ المصاحف المسلمين يستخدمون نوعاً من المداد لكتابة النص وآخر لشكله، ورأينا اللون الأحمر الذي استخدمه أبو الأسود الدؤلي لشكل الحروف فعالج اللحن وضبط القراءة بعد أن ضبط الحروف، وعدت رموز وأشكال وألوان الدؤلي سنة يُقتدى بها في جميع المراحل التي دون فيها القرآن العظيم، ولاحظنا كيف أن المشارقة والمغاربة استخدموا النقاط الصحراء والخضراء والحمراء واللازوردية في ضبط آيات القرآن العظيم والغاية من ذلك كله الوصول إلى الترتيل في آي الذكر الحكيم، والترتيل هو معرفة الوقف وتجويد الحرف، ولقد استخدمت الصفراء علامة على همزة القطع، فتقرأ، وجعلت النقطة الخضراء لهمزة الوصل كي لا تُلفظ أثناء الوصل، وباتت الألوان اصطلاحاً يتعلمه جميع النساخ دون العبث به، وأصبح قاعدة لا يشذ عنها خطاطو المصاحف.

وفي منتصف القرن الماضي تقريباً طبع من المصحف الذي خطه مصطفى قدري غالي آلاف المصاحف، ولعدة طبعات، وانتشر في بلاد الشام والجزيرة العربية واليمن ومصر وتركيا، ونظر فيه الحفاظ فاستحسنوا خطه، وأعجبوا بحسن تنسيقه وتوزيع سطوره، فقام الحاج الحافظ علي أغورلي المغنيسي أصلاً والأنقروي إقامةً بعمل جديد ليسهل للقارئ الأعجمي اللفظ والنطق والقراءة فعمد لترميز اللون الأخضر الذي اتبع من قبل سنة في المصاحف كنقطة لهمزة الوصل، وجرد الحروف الشمسية وكساها اللون الأخضر في المصحف الذي خط على يد مصطفى نظيف سنة 1886 ميلادية.

ووسع بين سطور المصحف ووضع الأرقام المتسلسلة بين الآيات والسور والأجزاء، وحتى تسهل تلاوته على أصول التجويد لسنة 1384 من الهجرية النبوية من شهر رمضان المبارك.

ويعد عمل المغنيسي هذا أول عمل لوني في المصاحف اللينة، وأول خطوة لكتابة الحروف بالألوان وكل ذلك خدمة لكتاب الله -عز وجل-.

ونقرأ في هذا المصحف من سورة الفجر: بسم الله الرحمن الرحيم ? وَالْفَجْرِ (1) وَلَيالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ (5) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلاَدِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلاَدِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14) ? [الفجر: 1: 14].

الله جميل يحب الجمال.

وقد خلق الله -سبحانه وتعالى- الإنسان في أحسن تقويم، وجعله خليفته في الأرض وقال لملائكته: ? إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ? واصطفى من خلقه أنبياء واصطفى من الأنبياء محمدًا -صلى الله عليه وسلم- ليكون خاتم الأنبياء، وليتشرف بتلقي كلماته وحفظها وتدوينها في أبدع صورة وأجمل حلة.

ألف وأربعمائة عام ونيف على منازل القمر والشمس تجري لمستقر لها، وكلام الله الذي استقبله نبيه الكريم بالحفظ والتدوين، لا تزال العناية الإلهية تحيط به، زمن طويل، مرت عليه شعوب وأقوام، وآلاف وملايين الأقلام، نحتت وهي تسجل كلمات الخالق العظيم على الرقوق والورق والحرير، وآلاف الآيات صيغت بأساليب فنية لتغدوا متعة للبصر، وراحة للقلب، وطمأنينة للنفس بمعناها ومبناها، ووصل كتاب الله إلى ما وصل إليه من الدقة والإتقان في ضبطه وكتابته.

لقد شعر الخطاط بالرهبة وهو يخط كلمات الله على الورق بحبر تارة، وبلازورد أخرى، وبذهب وفضة أحياناً.

لم يقبل لكلمات الله أن تخط على عجل وسرعة، ولكن بأناة وهدوء وتبصرة.

لقد كان كلام الله -عز وجل- وآياته مبعث بهجة في نفوس كتبته، فارتقوا بآياته واقتبسوا من نورانيته فصاغوا الأشكال والهيئات وطوعوا الحرف بالتفاتاته وانضجاعاته وبسطه وتطويره حتى وصل على أيديهم إلى الذروة من كمال الهيئة.

وبين أيدينا مصحف جميل الطباع أنيق التجريد رائع التنسيق، سليم التوزيع، بين الحرف بهي التذهيب، خطه الحاج الخطاط الحافظ محمد أمين الرشدي سنة 236 بعد الألف الهجرية، وقد خطه لوالدة السلطان عبد العزيز خان ابن السلطان محمود خان العثماني.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير