وقامت وزارة الأوقاف بالعراق بتكليف خطاط العراق هاشم محمد البغدادي المتوفى سنة 1973 بالإشراف على تنقيحه وتزويقه.
فقام بالمهمة خير قيام، وأشرف على طباعته في ألمانيا حتى خرج على أكمل وجه وأتم إتقان.
يعد هذا المصحف من أجمل المصاحف المطبوعة في العصر الحديث، لم ينافسه مصحف آخر.
وذلك لرقة أسلوبه في الإخراج وعدم البذخ في تحليته بما لا يلزم، وقد ناجى الخطاط الرشدي الذي نسخه على منهج الحافظ عثمان الشهير بقايد زادة وسار على أسلوبه في الهجاء وعلى تقسيمته في توزيع الأجزاء والأحزاب والأرباع والسجدات وأسماء السور ونهايات الفواصل.
وأما ترقيمه فقد جرى على طريقة الكوفيين في تفصيل الآيات.
وتمت بيان علاماته على علامة الإمام أبي جعفر بن طيفور السجاوندي، وانتهى عمل الطباعة فيه سنة سبعين وثلاثمائة وألف جزرية وجرى تنقيح الضبط لقراءته ما يوافق رواية حفص ابن سليمان بن المغيرة الأسدي لقراءة عاصم بن أبي النجود.
خط المصحف بقلم النسخ البديع الجميل، وكتبت رؤوس السور بقلم الإجازة، وهو قلم متطور عن قلم التوقيع القديم، حيث مزج قواعد الثلث بالنسخ وأصبح ما يعرف بالإجازة، وذلك لأنهم يجيزون الخطاط بهذا النوع بعد أن تكتمل معارفه ويصبح معلماً يحق له أن يوقع باسمه تحت كتابته.
طبع المصحف على ورق من نوع شامواه، يميل لونه للصفرة، وذهب صفحته الأولى وخطها هاشم بقلمه، بعد أن وضع في وسط الصفحة الأولى مشكاة ركب في داخلها بخط الثلث المحكم قوله تعالى:
? إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) ? [الحجر: 9].
وقسم الصفحة إلى مستطيل في الأعلى خط داخله آية بقلم الثلث المركب، وفيها: ? إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ? [الإسراء: 9]، ومستطيل في الأسفل كتب بداخله في خط الإجازة الإشراف وسنة الطبع.
والمصحف خال من علامات التخميس والتعشير وفيه مرصعات للأحزاب والأجزاء والسجدات، وفيه الفواصل بين الآيات وقد رسم لها زهرة دائرة بين ورقتين بالذهب المسور بالأسود، والدائرة بلون أزرق فيروزي ضم رقم الآية باللون الأبيض، وسجلت الأرقام العربية بفواصل الآيات، وهي التي يقال عنها بأنها هندية، ولا علاقة للهنود بهذا الشكل من الأرقام.
ضمت الصفحة المستطيلة أحد عشر سطراً خطت الكلمات فيه بارتياح تام؛ لأن الخطاط لم يلتفت لتوزيع الصفحة لتكون نهاية آية، وإنما استرسل بالخط وجعل أكبر همه إخراج نسخة رائعة يقدمها للسلطان وينال من الله العفو والغفران، كما نلاحظ في هذا المصحف أسلوب التعقيب في نهاية كل صفحة يمنى، وفي أسفلها على اليسار نقرأ الكلمة التي في رأس نقرأ الكلمة التي في رأس الصفحة المقابلة، وهذا الأسلوب كان متبعاً منذ القرن الخامس الهجري.
حتى لا تضيع الأوراق وتختلط ببعضها، كما نلاحظ في هذا المصحف علامات الأجزاء والأحزاب والسجدات ضمن الإطار الخارجي ولم تستقل بالهامش كما هو الحال في جميع المصاحف التي سبقته.
ونقرأ في هذا المصحف من الجزء الثلاثين من سورة التكوير، ونشاهد في الصفحة هذه ما يمكن أن ننعته بالراحة للرؤية البصرية، وبالسحر في علاقة التناغم بين كلام الله المنشأ بألفاظه والمخطوط بأحرفه.
قال تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم ? إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ (14) فَلاَ أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16) وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ? [التكوير: 1: 19].
ومن المصاحف الجميلة التي طبعت في القرن الماضي مصحف بنهاية آية للحفاظ وبخط الخطاط الشهير حسن رضا، ونلاحظ فيه نهج الحافظ عثمان أيضاً، من حيث طول الصفحة التي ضمت خمسة عشر سطراً، وتم ضبطه على طريقه الساجوند في الرموز.
¥