تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لقد رفع القرآن من شأن حضارة ذي القرنين، لأنها كانت حضارة راشدة مهتدية لاحقاق الحق وإقامة العدل بين الناس: (حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوماً قلنا ياذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسناً، قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذاباً نكراً، وأما من آمن وعمل صالحاً فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسراً).?الكهف/86 - 88.

ووضع نصب عينيه دفع الفساد عن الرعية وإقامة المشاريع العامة لحماية الضعفاء وتحقيق الأمن والطمأنينة للرعية، من غير أن يسعى من وراء ذلك إلى تحقيق مصالح خاصة له أو لبطانته أو أن يملأ خزائن دولته بالكنوز والأموال، من تعب وشقاء الضعفاء (ثم أتبع سبباً حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوماً لا يكادون يفقهون قولاً، قالوا ياذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجاً على أن تجعل بيننا وبينهم سدا) الكهف/94،93.

هم يعرضون عليه أن يدفعوا له ضرائب وجزءاً من خراج أرضهم مقابل بناء السد لمنع إفساد يأجوج ومأجوج – القبائل الهمجية المتوحشة عنهم.

ولكن الدولة الراشدة لا يكون همها ملء الخزائن، فكان جواب ذي القرنين (قال ما مكني فيه ربي خيرٌ، فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردماً، آتوني زُبَرَا الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله ناراً قال آتوني أفرغ عليه قطراً، فما اسطاعوا أن يَظهروه وما استطاعوا له نقباً. قال هذا رحمةٌ من ربي .. ) ?الكهف/98،95.

نسب الفضل إلى الله جل وعلا الذي وفقه لإقامة هذا المشروع العملاق، ولم يتباه بالإنجاز الذي قدمه لرعيته، ولم يستغله لأمجاد شخصية.

شتان بين هذا الحاكم وبين من بنى سداً في بلده، وفي حفل افتتاح السد أعلن تمرده على الله سبحانه وتعالى، وقال: إننا لم نعد تحت رحمة السماء، لأن هذا السد سيغنينا عن الأمطار، فمنعوا القطر خمس سنوات عجاف ...

- الرومان ومدرجاتهم: كانت لإقامة حفلات القياصرة بانتصاراتهم على أعدائهم، ووضع الأسير في حلبة الصراع مع وحش مفترس جائع، والقيصر مع حاشيته، يستمتعون بمنظر الوحش الكاسر والأسير الذي يتشبث بالحياة ليدافع عن نفسه.

قارن هذا بأمر القرآن الكريم (ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءاً ولا شكوراً) ?الدهر/9،8.

إن هذه الحضارات التي يعظمها الناس قال عنها القرآن الكريم (ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد وثمود الذين جابوا الصخر بالواد وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب إن ربك لبا لمرصاد) الفجر/14،6.

إن الحضارة التي تحذف من اعتباراتها قضية الإيمان بالله واليوم الآخر، والتي لا تقيم لكرامة الإنسان وزناً.

تلك الحضارات تسبب الشقاء والتعاسة للإنسان وليست جديرة بالتعظيم والثناء ...

- إن علم التاريخ والحضارة يحتاج إلى تصحيح مسار في دراساتنا وبحوثنا والموازين التي نصل إليها علينا أن نستنبطها من القرآن الكريم ومن السنة النبوية ولا يتحقق ذلك إلا عن طريق التفسير الموضوعي.

هكذا كثير من علومنا الإسلامية ـــ تحتاج إلى إعادة نظر في مساراتها ومناهجها. حتى علم الفقه يحتاج إلى صياغة تربوية هادفة تذكر باليوم الآخر، وتبين حكمة التشريع، لا أن يكون قوالب جامدة ...

قارن مثلاً بين كتاب الصوم في أي كتاب فقهي وبين الآيات في الصوم في القرآن الكريم وبين كتاب الجهاد والسير في كتب الفقه وبين سورة الأنفال والتوبة.

السبب الرابع:

إن الدراسات حول الآيات القرآنية المتعلقة بموضوع واحد كشفت لنا عن وجوه جديدة في الإعجاز القرآني.

فالدراسات التي أجريت حول دلالات الآيات الكريمة في الرياح والسحب والأمطار والآيات التي تحدثت عن النبات والثمار ... والتي تحدثت عن حواس الإنسان، وعن النشأة الجنينية وغيرها .. أبرزت وجوهاً من الإعجاز القرآني في هذا العصر الذي تقدمت فيه هذه العلوم المادية لهذه الأسباب وغيرها، نجد أن هذا اللون من التفسير، أعنى التفسير الموضوعي هو اللون السائد في هذا العصر.

لئن كان التفسير يعكس ثقافة كل عصر واهتمامات كل جيل من الأجيال من خلال الرجوع إلى القرآن الكريم لمعرفة هداياته في حل مشاكل ذاك العصر.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير