و لا بد من الإشارة أيضا إلى أن هناك غير هؤلاء فالوزان و الأنصاري و عيسى الثعالبي كانوا أيضا من مفسري القرآن الكريم في دروسهم و قد روى محمد بن ميمون أن القاضي أبا الحسن علي كان بارعا في تفسير القرآن حتى أشتهر به و تسابق الناس إلى درسه في الجامع الكبير [لا يزال هذا الجامع يحمل نفس الإسم بالجزائر العاصمة] كما اشتهر بعلوم اللسان و كذلك قال ابن ميمون (4) عن المفتي مصطفى بن عبد الله البوني بأنه تناول تدريس الثعالبي "على سبيل التفقه" و أنه أجاد فيه و من جهة أخرى ذكر ابن زاكور (5) في رحلته أن شيخه أبا عبد الله بن خليفة الجزائري قد ختم القرآن الكريم تدريسا.
أما التفسير تأليفا فالخوض فيه قليل و رغم شهرة مدرسة تلمسان العلمية فإنها لم تنتج مفسرون للقرآن الكريم جديرين بالإشارة حتى العالم المعروف أحمد الونشريسي و ابنه عبد الواحد لم يعرف عنهما التأليف في التفسير و نفس الشيء يقال عن مدرسة بجاية و قسنطينة فرغم شهرة عمر الوزان و عبد الكريم الفكون (الجد) خلال القرن العاشر فإننا لم نعثر لهما على تأليف في التفسير و اعتنى عبد الرحمان الأخضري بمختلف العلوم شرعية و عقلية و لكننا لم نعرف عنه انه حاول التفسير.
و هكذا ينتهي القرن العاشر (16م) دون أن نسجل تأليفا واحدا في تفسير القرآن الكريم غير انه يقال إن محمد بن علي الخروبي (6) قد وضع تفسيرا أثناء إقامته بالجزائر فإذا صح هذا فإنه يكون أمرا غريبا من شيخ لا هم له عندئذ سوى نشر الطريقة الشاذلية و خدمة الدعاية العثمانية و التأليف في التصوف و مهما يكن من أمر فنحن لم نطلع على هذا التفسير و لا تؤكد مصادر الخروبي وجوده و قد روى عبد الكريم الفكون (الحفيد) أن جده قد وضع "تقييدا" جمع فيه الآيات من القرآن الكريم لا تعني العناية بالتفسير كعلم قائم بذاته ثم إن الرواية تشير إلى أن الشيخ الفكون قد جمع الآيات و لم تقل إنه فسرها أو علق عليها و من ثمة يظل هذا التقييد خارج النطاق الذي تناوله ذلك أن الفكون (الجد) كان مهتما اهتماما خاصا بعلم البيان و كان جمعه للآيات من مطول التفتزاني لا يخرج عن حبه للبيان.
هامش
(1) أبو حامد المشرفي (ذخيرة الأواخر و الأول) مخطوط ص 12.
(2) أبو القاسم الحفناوي (تعريف الخلف برجال السلف) 2/ 219 و قد أخبر
الكتاني (فهرس الفهارس) 1/ 172 أن ترجمة الراشدي كان قد أجاز
الزبيدي بالمراسلة [وسيأتي ذلك في فصل الإجازات].
(3) عبد الكريم الفكون (منشور الهداية) الخاتمة.
(4) ابن ميمون (التحفة المرضية) مخطوط 48 و 235 من المطبوع.
(5) ابن زاكور (الرحلة31) و كان ابن خليفة من الذين أجازوا ابن زاكور اثناء زيارة هذا للجزائر و قد توفي ابن خليفة سنة 1094.
(6) أشار إليه صاحب (الإعلام بمن حل مراكش واغمات من الإعلام) 4/ 150.
ـ[ابو مريم الجزائري]ــــــــ[07 Jun 2007, 02:15 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله
... تتمة:
و قد أنجب القرن الحادي عشر مجموعة من العلماء المشار إليهم من أمثال سعيد المقري و ابن أخيه أحمد المقري [التلمساني نسبة الى مدينة تلمسان بالغرب الجزائري و هو مؤلف الكتاب الأدبي " نفح الطيب ' المشهور] و سعيد قدورة و ابنه محمد و عيسى الثعالبي و مع ذلك لا نجد أحدهم قد ترك تأليفا في علم التفسير (1) و في ترجمة علي بن عبد الواحد الأنصاري ذكر المحبي أن للأنصاري عملا في التفسير بلغ فيه إلى قوله تعالى "و لكن البر من اتقى" (2) و قد قام يحي الشاوي بوضع أجوبة على اعتراضات أبي حيان على ابن عطية و الزمخشري و يبدو أن أجوبة الشاوي كانت ضخمة إذا حكمنا من حجم عمله (3) و لم نطلع على هذا العمل حتى نحكم على منهج صاحبه و لكننا نعرف أن يحي الشاوي كان من أبرز علماء عصره تجربة و ثقافة و نقدا و قد ألف في علوم أخرى كالتوحيد و الفقه سنعرض إليها و نود هنا أن نذكر بما قلناه عنه من أنه كثير النقد لعلماء عصره و غيرهم و أنه كان يعتبر هذا النقد - رغم ما فيه من تعرض للأخطار و المشاكل - مصدر ثواب لذلك فنحن نتصور أن أجوبته على تفاسير غيره ستكون مشبعة بالآراء المستقلة التي كانت تهدف إلى فهم القرآن [الكريم] في ضوء مصالح المسلمين في وقته.
¥