كان البوديلمي يلقي دروسه في التفسير والحديث بالجامع الأعظم بتلمسان. ويهمنا الآن تفسيره للقرآن في دروسه. ولا نعرف أن تفسيره كان مكتوبا. وكان يخلط الدرس ربما بآراء في التصوف، وكانت تعقد احتفالات سنوية يحضرها تلاميذه وأنصاره وأشباهه من العلماء. وقد عبر عنها صاحب (المرآة الجلية) بأنها نوع من سوق عكاظ حيث يلقي الشعر والخطب ومما يدل على الخلط بين العلم والتصوف أن ابن عبد الحكيم يقول إن الاحتفال يشبه ما كان يلقيه ابن عليوة أثناء حياته. وقد نوه أحد رحالة المغرب، وهو الشيخ الوارزقي بدروس البوديلمي في الجامع الأعظم في الأخلاق والدين، وأخبر أن الناس كانوا يحترمونه ويلتفون حوله لتقبيل رأسه ويده. ولا شك أن هذا أيضا من تقاليد المتصوفين (4).
و للبوديلمي عدد من المؤلفات لم نطلع عليها، وليس لها عنوان في تفسير القرآن الكريم، وقد ذكرها له صاحب (المرآة الجبلية) (5).
أما المفتي الحنفي محمد العاصمي فقد كان يلخص تفسيره لبعض الآيات في مجلة (صوت المسجد)، ولعله كان يلقي دروسا في الجامع الجديد، حيث مقر الشيخ الحنفي. وكان العاصمي من العلماء الأدباء، وقد اشتهر عندما كان يكتب المقالات الصحفية ويستنهض الهمم في العشرينات والثلاثينات.
ويبدو أنه لم يبقى على ذلك التيار الفكري بعد ان اصبح من الموظفين الرسميين. ومهما كان الأمر، فقد لاحظنا أنه كان يعرض لبعض الآيات ويفسرها تفسيرا ملخصا موجزا بعبارات بسيطة كانها موجهة للعامة وللمبتدئين، ومعظمها في معاني دينية واخلاقية. ونعترف أننا لم نطلع على كل ما لخصه في التفسير، ولكن المجلة ظهرت في خريف 1948 لتعبر عن حالة *رجال الديانة الاسلامية* الموظفين لدى الادارة الفرنسية. واستمرت بضع سنوات.
وقد وصلتنا أعداد من (صوت المسجد) من سنة 1949 - 1951، فوجدنا افتتاحياتها تحمل هذا العنوان الطويل: (عرض وتلخيص واستنساخ من تفسير الذكر الحكيم) بقلم محمد العاصمي. وطريقة ذلك انه يذكر آية ثم يعرض معناها ويلخصه ويستنتج منه باختصارن وليس في* الاستنتاج*، بمعنى الاستنبا ط،ما يذكر هنا. فالمساحة لكل ذلك عبارة عن صفحة. وقلما يسقط معنى الآية على الأوضاع الحاضرة، ورغم بساطة الأسلوب فانالمعنى يظل بعيدا عن الوا قع. ومهما كان الأمر فان ما كتبه العاصمي في هذا الصدد لا يخرج عن مهنة الوعظ والارشاد التي كان يقوم بها في حدود ما تسمح به الظروف الإدارية.
وقد ثبت أيضا أن العلماء الآتية أسماؤهم قد مارسوا التفسير في دروسهم أيضا – دون التأليف – وهم:
- محمد مولود بن الموهوب، أحد علماء قسنطينة في أول هذا القرن (توفي 1939).
- الهاشمي بن الحاج اليعلاوي.
- الفضيل إسكندر، أحد علماء المدية.
هوامش
(1) انظر عنه محمد الهادي السنوسي (شعراء الجزائر) فهو فيه أحد الشعراء خلال العشرينات.
(2) الهاشمي بكار (مجموع النسب)،ص 174 - 176. انظر أيضا الجيلاني بن عبد الحكيم وكتابه (المرآة الجلية)،المطبعة الخلدونية،تلمسان، 1953. اذ ترجم فيه للشيخ البودلمي ص 351 - 357. ونشر الشيخ الهاشمي كتابه حوالي 1961، وعندما يقول * الى الآن * لا ندري هل يشير إلى التاريخ المذكور أو إلى تواريخ سابقة.
(3) اعتقل الإبراهيمي سنة 1940 في الوقت الذي توفي ابن باديس. ونفي الإبراهيمي إلى آفلو حيث بقي إلى 1943 (سنة توظيف البوديلمي رسميا).
(4) ابن عبد الحكيم (المرآة الجلية)، ص 351 - 357 عن مقالة نشرت في جريدة (النجاح) 8ديسمبر 1951. وذكر ابن عبد الحكيم بعض القصائد التي قيلت في إحدى هذه المناسبات العكاظية.
(5) - (المرآة الجلية). لاندري هل هذه المؤلفات مطبوعة أو مخطوطة ولا محتوياتها. ويبدو أنها من نوع الوعظ والإرشاد والردود. وهي:
– إماطة اللثام.
- رفع التلبيس عن وساوس إبليس.
- حاجة البشرية إلى الدين.
- الرسالة الديلمية في صيانة العائلة الإسلامية.
- كشف الغيم في قضية عيسى بن مريم [عليه السلام].
- رماح علماء السنة المحمدية. (وربما كان هذا انتصارا لجمعية علماء السنة التي نافست جمعية العلماء برئاسة ابن باديس بعض الوقت 1932 - 1934).
- ديوان في المدح و الأذكار.
يتبع ان شاء الله
ـ[ابو مريم الجزائري]ــــــــ[12 Jun 2007, 12:49 ص]ـ
السلام عليكم و رحمة الله
... تتمة
وقد نسبت بعض الكتب إلى الشيخ أحمد بن عليوة تفسيرا لبعض الآيات والسور، فقد ذكر الباحث الإنجليزي (مارتن لانغز) الذي أصبح من أتباع ابن عليوة، أن هذا [القطب الصوفي] فسر آيات من سورة ? البقرة ? ووصل الى الآية الأربعين منها. وقال (لانغز) إن هذا التفسير قد شاهدته بنفسي وان مخطوطته الوحيدة موجودة في زاوية مستغانم [مدينة بالغرب الجزائري و لا زالت بها هذه الزاوية تنشط و لها مريدين الى يومنا هذا [العليوة. كما ذكر لانغز إن ابن عليوة قد فسر سورة ?والعصر? تفسيرا فيه تصوف، ومن ذلك فسر معنى *الخسر* بأنه *إشارة الى حالة الإنسانية البدنية على الأرض بالقياس الى حالته الروحية الصرفة في السماء بعد خلقه، ولكن قبل تصويره*. وهناك إشارة ثالثة الى اهتمام ابن عليوة بالتفسير اذ نسب إليه لانغز أيضا كتابا بعنوان (لباب العلم في تفسير سورة النجم) كتبه سنة 1915 (1).
وبقطع النظر عن روح التصوف التي تشيع في مؤلفات وآراء الشيخ احمد ابن عليوة، فان ما نسبه له مارتن لانغز ليس تفسيرا بالمعنى الدقيق للكلمة، سوءا بمنهج القدماء أو بمنهج المحدثين. وإنما هو فهم وتدريس وبيان لمعاني بعض الآيات من هذه السورة أو تلك. [و مع الاسف فان جميع المحاولات التي قام بها الباحثين و العلمائ للاطلاع على المخطوط الذي أشار إليه لانغز باءت بالفشل لرفض القائمين على الزاوية السماح برؤية المخطوط بل و نكران وجوده] و الاطلاع وحده يمكننا التعرف على طريقة ابن عليوة في تناول بعض آيات سورة البقرة. وربما يكون [و هذا على عادة الصوفية] قد كتب مقدمة لهذا المخطوط يذكر فيها دوافعه وأهدافه ومنهجه من التفسير.
هامش:
(1) مارتن لانغز (الشيخ أحمد العلوي) بيروت،1973،ص 222.
¥