تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

اليوم سنتعرض بايجاز الى تفسير الشيخ عبد الحميد ابن باديس و مناهج التفسير لمالك بن نبي، ولنبدا بابن باديس الذي بدأ يلقي دروسه في تفسير القرآن الكريم،. وكان يلقيها وينشرها اتباعا في مجتته (الشهاب) تحت عنوان (مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير وحديث البشير النذير) خمسة وعشرين عامًا و في 13 من ربيع الثاني 1357هـ/ 12 جوان 1938م ختم الشيخ ابن باديس القران الكريم، واقيم له حفل يليق بمقامه العلمي وبانجازه الكبير فاحتفلت الجزائر كلها بهذا اليوم التاريخي. وكان الاعتقاد عندئذ أن ختم القران هو عمل ديني قبل كل شئى و يمثل تحديا لمحاولات فرنسا ابعاد المسلمين الجزائريين عن كتابهم و لغتهم. أما الجانب العلمي والأدبي فهو غائب أو ثانوي. وقد شارك المشاركون عندئذ في مدح الشيخ والاشادة بما قدمه للجزائر عموما و ما قدمه للاسلام. وكان الشيخ الابراهيمي هو الذي أشرف على الحفل الذي تبارى فيه الخطباء والشعراء،ولا نعرف أن عالما اخر ختم القران به بمثل هذا الاحتفال في الجزائر. على أنه جرى مثل هذا الاحتفال بعد عدة عقود في ميزاب بمدينة غرداية [الجنوب الشرقي الجزائري] عندما ختم الشيخ ابراهيم بيوض [اباضي المذهب من الخوارج] تفسير القران الكريم ايضا.

ظهر تفسير ابن باديس في عدة طبعات واشكال،منها ما طبعته الشهاب – مطبعة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين - ومنه ما جمعه واصدره الشيخ محمد الصالح رمضان وتوفيق محمد شاهين بعد الاستقلال (1964) (1) ثم ما اصدرته وزارة الشؤون الدينية في الثمانينات.

وهو من حيث الحجم لا يمثل عملا ضخما موسعا، في حجم أحد تفاسير الشيخ أطفيش [مفسر اباضي جزائري له تفاسير متعددة أشهرها هميان الزاد – إذا أراد الاخوة في المنتدى التعريف بمثل هذه التفاسير فأنا مستعد لتقديم دراسة تاريخية عنها]. ولكنه من حيث القيمة يظهرعظيما،ويرجع ذلك الى اهتمام ابن باديس بالربط بين معاني القران والحياة المعاصرة. ويمكن أن نسمي ذلك توليد المعاني من القران لكي تناسب دعوته الى النهضة والأخذ بأسباب الحياة. فتفسيره غير لفظيا قائما على بيان اللغة والدين والأدبيات القرآنية، ولا على ما ورد من القرآن الكريم من آثار وأخبار ومواعظ، وانما هو تفسير لهداية المسلمين المعاصرين الى ما في القرآن الكريم من حث على العمل والنهوض و محاربة الاستعمار الفرنسي و الدعوة للابتعاد عن الخزعبلات و الخرافات التي عشعشت في نفوس الجزائريين بفعل الجهل و اتباعهم للطرقيين و الصوفيين المزيفين، والاستعداد للتقدم والحياة المثلى في الدنيا والآخرة.

- يذهب علي مراد الذي خص تفسير ابن باديس –بدراسة نقدية،أن هذا التفسير كان قد نشره ابن باديس في شكل مقالات في (الشهاب) خلال عشر سنوات،وكان توجهه فيها سلفيا،سار فيه على طريقة الشيخ رشيد رضا (؟)،وكان ابن باديس يهتم باظهار الأصالة الاسلامية. وقد تميز تفسير ابن باديس بخصائص:

- منها أنه تجاوز فيه تقاليد الاسلام في بلدان المغرب العربي،تلك التقاليد القائمة على الطقوسية والحياة الشرعية والأحكام الفقهية بأسلوب جاف، وهو ما نجده عند الشيخ محمد بن يوسف أطفيش من المتأخرين. أما ابن باديس فكان يبحث،كما يقول علي مراد، عن حلول اسلامية للمجتمع الاسلامي أمام الغزو الغربي وتشمل هذه الحلول الميادين السياسية والاجتماعيةوالثقافية، ولذلك فان تفسيرابن باديس يدخل في نطاق أسلمة الأفكارو صراعها مع الحياة في الجزائر.

لم يسر ابن باديس في تفسيره على الطريقة التقليدية، أي أنه كان تفسيرا منتظما شاملا، ولكنه اقتصر فيه على أجزاء متفرقة، فهو تفسير جزئي. ولكنه اتخذ من القرآن الكريم وسيلة لتوضيح الأفكار المعاصرة من أجل بناء مجتمع إسلامي في نطاق المدنية الإسلامية الملائمة مع روح العصر والوفية لروح الإسلام نفسه. وإذا نظرنا إلى حجم تفسير ابن باديس فإننا نجده يمثل أكبر قدر من كتاباته الفكرية. وقد ظهر فيه ابن باديس باحثا ناقدا موازنا وليس صحفيا يكتب بسرعة ليرد على رأي أو ليعالج مسألة آنية. إن ابن باديس قد ظهر فيه معلما رزينا ومستنبطا حكيما، خائضا في مسائل العقائد الإسلامية والأفكار المعاصرة، وهكذا يصبح تفسير ابن باديس مصدرا أساسيا للفكر الإصلاحي في الجزائر ولما سماه بعضهم بمدرسة "الشهاب"، وربما مصدرا أساسيا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير