تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

للفكر الإصلاحي الحديث عموما. ولذلك يحتفظ هذا التفسير بقيمته الخاصة رغم ما قد يوجه إليه من نقد أحيانا.

إن ابن باديس يظل في تفسيره متنسكا بالمذهب المالكي ومتحذرا في معالجة مسائل العقائد، فهو محافظ في نظر بعض المعاصرين ومن جاء بعدهم. ورأى علي مراد أن ابن باديس لم يخرج على التيار الفكري العام، كما خرج بعض العلماء المسلمين مثل مصطفى عبد الرزاق المصري الذي عالج مسألة (الإسلام وأصول الحكم) سنة 1925. ولا مثل الطاهر الحداد التونسي الذي ألف كتابه المعروف (امرأتنا في الشريعة والمجتمع) سنة 1930. وربما كان لابن باديس هدف آخر من غوض غمار التفسير، وهو عند علي مراد، أن يظهر للمواطنين الجزائريين أن العلم الإسلامي غير مقصور على دراسة المنطق والفقه و النحو والأدب، وقد يكون أراد أيضا أن يفسر القرآن الكريم في الجزائر ليبين أن هذا الموضوع غير مقتصر على المشارقة، وأن بإمكان المغاربة أن يتفوقوا في هذا الباب. ولعله كان بإمكانه أن يفسر القرآن بطريقة الشيخ أطفيش أو البيضاوي أو الثعالبي.

ولكنه اختار طريقة العلماء المصلحين. وهو معالجة الأفكار الأساسية في ضوء حاجات ومصالح العصر. وقد قلنا أيضا إنه تأثر أيضا بتفسير رشيد رضا، وإنه، كما لاحظ علي مراد، اعتبر نفسه مسخرا من الله سبحانه و تعالى لمواصلة رسالة رشيد رضا بعد وفاته سنة 1935م.

وقد سبقت الإشارة إلى أن الذي تولى جمع المقالات الأساسية لتفسير ابن باديس كما ظهرت في مجلة الشهاب، هو الشيخ محمد الصالح رمضان وزميله المصري محمد شاهين في منتصف الستينات. ويذهب علي مراد أن كتاب الشيخين المذكورين قد تصرف في المقالات الباديسية بالتقيدم والتأخير والحذف. كما وقع التصرف في وضع العناوين. وقال أيضا إن الكتاب لم يتضمن تحليلا ونقدا وإنما اكتفى بالجمع، وأن فيه أخطاء إملائية ولغوية (2).

ومهما كان الأمر، فإن تفسير ابن باديس، رغم أنه جزىء وأنه ظهر في شكل مقالات افتتاحية لمجلة الشهاب، فقد تضمن منهجا لدراسة القرآن الكريم وفهمه وتقديمه للجمهور الإسلامي، متعلما وغير متعلم، وربما [لو] عاش ابن باديس طويلا لتفرغ لكتابة تفسير آخر شامل للقرآن كله، وبأسلوبه المذكور، لأن الوفاة قد أدركته وهو في أوج العطاء الفكري، على أنه يكفيه أنه قد وضع العلامات في الطريق.

و انقل لكم هنا رأي رفيق دربه و نائبه في جمعية العلماء المسلمين الشيخ البشير الإبراهيمي: " ... كان ابن باديس صاحب ذوق خاص في فهم القرآن كأنه حاسة زائدة خص بها. يرفده -بعد الذكاء المشرق، والقريحة الوقّادة، والبصيرة الناقدة - بيان ناصع، وذرع فسيح في العلوم النفسية والكونية، وباع مديد في علم الإجتماع، ورأي سديد في عوارضه وأمراضه يمد ذلك كله شجاعة في الرأي، وشجاعة في القول، لم يرزقهما إلاّ الأفذاذ المعدودون في البشر.

وله في القرآن رأي بنى عليه كل أعماله في العلم، والإصلاح، والتربية والتعليم: وهو أنه لا فلاح للمسلمين إلاّ بالرجوع إلى هدايته والاستقامة على طريقته، وهو رأي الهداة المصلحين من قبله.

وكان يرى - حين تصدى لتفسير القرآن- أن تدوين التفسير بالكتابة مشغلة عن العمل المقدم، لذلك آثر البدأ بتفسيره درسا تسمعه الجماهير فتتعجل من الاهتداء به ما يتعجله المريض المنهك من الدواء، وما يتعجله المسافر العجلان من الزاد.

فاقتصر على تفسير القرآن درسا ينهل منه الصادي، ويتزود منه الرائح والغادي، وعكف عليه إلى أن ختمه في خمس وعشرين سنة. ولم يختم التفسير درسا ودراية بهذا الوطن غيره، منذ ختمه" أبو عبد الله الشريف التلمساني" في المائة الثامنة.

ولكن الله تعالى أبى إلاّ أن يذيع فضله وعلمه. فألهمه كتابة مجالس معدودة من تلك الدروس، وكان ينثرها فواتح لأعداد مجلة "الشهاب" ويسميها "مجالس التذكير".


(1) نشر دار الكتاب الجزائري (دون تاريخ)،الجزء الأول،496 ص.
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير