تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن هذا القبيل مصطلح الخوارج لكونهم "خارجين عن الإمام"، وهو مصطلح لم يرد في القرآن ومع ذلك أورده (23).

ومما يعنى به الراغب في عدد من المصطلحات رصده للمفاهيم المختلفة للمصطلح الواحد بحسب اختلاف الاستعمال في العلوم. فمن ذلك مثلا:

- مصطلح "الحال" الذي يستعمل في اللغة للصفة التي عليها الموصوف، وفي تعارف أهل المنطق لكيفية سريعة الزوال نحو: حرارة وبرودة ويبوسة ورطوبة عارضة" (24).

- مصطلح "الواجب" يقال على أوجه: الأول في مقابلة الممكن، وهو الحاصل الذي إذا قدر كونه مرتفعا حصل منه محال نحو وجود الواحد مع وجود الاثنين فإنه محال أن يرتفع الواحد مع حصول الاثنين. الثاني يقال في الذي إذا لم يفعل يستحق به اللوم، وذلك ضربان: واجب من جهة العقل كوجوب معرفة الوحدانية ومعرفة النبوة، وواجب من جهة الشرع كوجوب العبادات الموظفة ... وقال بعضهم: الواجب يقال على وجهين: أحدهما: إن يراد به اللازم الوجود، فإنه لا يصح أن لا يكون موجودا"، كقولنا في الله جل جلاله: واجب وجوده. والثاني: الواجب بمعنى أن حقه أن يوجد. وقول الفقهاء: "الواجب ما إذا لم يفعله يستحق العقاب"، وذلك وصف له بشيء عارض له لا بصفة لازمة له، ويجري مجرى من يقول: الإنسان الذي إذا مشى مشى برجلين منتصب القامة" (25).

- مصطلح "الكلام" يقع على الألفاظ المنظومة، وعلى المعاني التي تحتها مجموعة، وعند النحويين يقع على الجزء منه اسما كان أو فعلا أو أداة، وعند المتكلمين لا يقع إلا على الجملة المركبة المفيدة، وهو أخص من القول فإن القول يقع عندهم على المفردات، والكلمة تقع عندهم على كل واحد من الأنواع الثلاثة، وقد قيل بخلاف ذلك. (26).

إن صنيع الراغب في ما أورده من مصطلحات العلوم في كتاب خصصه أصلا لألفاظ القرآن ينبهنا على التاريخ السليم لمصطلحات التراث الإسلامي عامة، ولا سيما في أول مرحلة من مراحل هذا التاريخ، وهي التي تتعلق بالنص القرآني وبيانه من السنة الشريفة. فهذه المرحلة لمّا تعط حقها التي هي أهل له. وما زالت ألفاظ القرآن تنتظر من يحققها ويدقق النظر فيها ويحصل دلالاتها بمنهج علمي متكامل جامع بين الاستيعاب والتحليل والتعليل والتركيب .. وهذا كفيل – بإذن الله تعالى – بأن يكشف عن أسرار وبأن يحرر كثيرا من القضايا وخصوصا ما يتعلق بـ:

- استخلاص الدلالة القرآنية وتمييزها مما سواها من المعاني والمفاهيم الطارئة عليها بعد فترة التنزل.

- تبيُّن مدى التحول والتطور الذي طرأ على اللغة نتيجة تفاعل العقل المسلم مع النص القرآني على مدى قرون متتابعة وضمن مذاهب وفرق متنوعة. وهذا سيؤدي إلى الكشف عن طبيعة التداخل هل هي في اتجاه التكامل والتساند أم في اتجاه التنافر والاصطدام، وذلك بحسب القرب أو البعد من الأصل.

وقد تنبه الإمام محمد بن عبده إلى هذه المسألة حين قال: "وأما المرتبة العليا في التفسير فلا تتم إلا بأمور: أحدها فهم حقائق الألفاظ المفردة التي أوردها القرآن، بحيث يحقق المفسر ذلك من استعمالات أهل اللغة غير مكتف بقول فلان وفهم فلان، فإن كثيرا من الألفاظ كانت تستعمل في زمن التنزيل لمعان ثم غلبت على غيرها بعد ذلك بزمن قريب أو بعيد. من ذلك لفظ التأويل: اشتهر بمعنى التفسير مطلقا أو على وجه مخصوص، ولكنه جاء في القرآن بمعان أخرى، كقوله تعالى: {هل ينظرون إلا تأويله، يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق} (الأعراف: 53)!! فما هذا التأويل (25)! فيجب على من يريد الفهم الصحيح أن يتتبع الاصطلاحات التي حدثت في الملة، ليفرق بينها وبين ما ورد في الكتاب. فكثيرا ما يفسر المفسرون كلمات القرآن بالاصطلاحات التي حدثت في الملة بعد القرون الثلاثة الأولى. فعلى المدقق أن يفسر القرآن بحسب المعاني التي كانت مستعملة في عصر نزوله. والأحسن أن يفهم اللفظ من القرآن نفسه بأن يجمع ما تكرر في مواضع منه، وينظر فيه، فربما استعمل بمعان مختلفة كلفظ الهداية وغيره. ويحقق كيف يتفق معناه مع جملة معنى الآية ليعرف المعنى المطلوب من بين معانيه. وقد قالوا: إن القرآن يفسر بعضه ببعض، وإن أفضل قرينة تقوم على حقيقة معنى اللفظ: موافقته لما سبق له من القول واتفاقه مع جملة المعنى وائتلافه مع القصد الذي جاء له الكتاب بجملته" ا. هـ (26).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير