تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فمدارسها الثانوية و العالية تضم بين 600 و 700 تلميذا يدرسون علوم التفسير (القرآن [الكريم]) و علوم الحديث، و محاضرات في الحساب و الفلك و البلاغة و الفلسفة. كما يوجد بها 90 مدرسة إبتدائية (مكتب) يتردد عليها بين 1.300 و 1.400 طفل و كانت دروس المساجد (وعددها 35 مسجدا) و المدارس الثانوية (و عددها سبع) غاصة بالمستمعين، و الأساتذة لهم شهرة تجلب إليهم الطلبة من بعيد. و المدارس الإبتدائية تابعة للمسجد أو الزاوية. و النفقات جميعا كانت من الأوقات المخصصة للمسجد أو الزاوية. و كان المؤدب يعينه ناظر الأوقاف بتوصية من العائلات الكبيرة، و هو (المؤدب) يقوم بدور الإمام و الحزاب أيضا. و له منزل خاص به، و له أجر من أولياء التلاميذ يقدر بحوالي 14 فرنك قديم بالإضافة إلى الهدايا التي يتلقاها بمناسبة الأعياد و عددها أحد عشر عيدا، و يتلقى أيضا تبرعات مختلفة سيما عندما يحفظ التلميذ أجزاء من القرآن [الكريم]. و بذلك قدر دخل المعلم (المؤدب) بحوالي ثلاثين فرنكا سنويا، زيادة على عطاءات أهل الخير و الإحسان.

و لكن منذ الإحتلال تدهور كل ذلك. ففي عشر سنوات (1847)، كاد يختفي التعليم في هذه المدينة (قسنطينة) العريقة في خدمة العلم و العلماء. و لم يتبقى من 600 أو 700 تلميذ في الثانوية سوى 60 فقط.

و المدارس الإبتدائية التي كان عددها تسعين (90) لم يبق منها سوى ثلاثين (30)، و لا يتجاوز الأطفال فيها 350 بعد أن كانوا بين 1.300 و 1.400.

[هذه إذن هي رسالة فرنسا الحضارية للجزائريين].

و قد كان صاحب التقرير (الجنرال بيدو) و المعلق عليه (دي طوكفيل) صريحين جدا في ذلك. فقد قال بيدو أننا أهملنا التعليم في عاصمة الإقليم (قسنطينة) مما سيعطي لرجال الزوايا أهمية كبيرة و يزيد من نفوذهم و قوتهم بين السكان. وواضح من تقرير الجنرال أن خوفه ليس على الجزائريين من الجهل، و لكن على مصير الوجود الفرنسي من نفوذ الزوايا. ذلك أن اختفاء المعلمين قد حول أنظار الناس إلى شيوخ الزوايا في الأرياف. أما دي طوكفيل فهو صاحب الصيحة الشهيرة: ((إننا جئنا لإضاءة الشموع فأطفأنا الموجود منها))، و هو يقصد هنا بالشموع المدارس. و لكن دي طوكفيل كان أيضا في صالح الرسالة الحضارية الفرنسية و تثبيت الإستعمار في الجزائر.

لقد نقصت المدارس و المساجد بعد أن حولت مداخيل أملاكها (الأوقاف) إلى أملاك الدولة كما ذكرنا، و توقفت الدولة الفرنسية المحتلة عن صيانة المساجد، كما أنها لم تصن مساكن الطلبة و العلماء التي كانت مجانية.

و نقصت قيمة العملة المتداولة، فلم تعد الوظيفة التي أصبح عليها رجال الدين يكفي دخلها، و لذلك لم تعد أمرا ممتازا يتنافسون عليه. و قد زاد أولياء التلاميذ في أجور المعلمين (المؤدبين) و لكن غلاء المعيشة أدى بالعائلات إلى توجيه الأبناء إلى أعمال أخرى أكثر ربحا، كما توقفوا عن استقبال الأقارب و أبناء الأعراش من خارج قسنطينة. بينما تدهور حال المدرسين و العلماء و افتقروا و أصبحوا متذمرين. و أدى كل ذلك إلى انخفاض مستوى التعليم و نقص مدته و المواظبة عليه. و كانت نتيجة هذا الوضع في مدينة قسنطينة هي رحيل التلاميذ القادرين إلى زوايا المناطق غير المحتلة بعد، مثل منطقة زواوة و مناطق الجنوب، طلبا للعلم.

هذه الصورة السوداء التي رسمها تقرير الجنرال بيدو عن التعليم في قسنطينة و تدهوره و بعثرة أهله يتفق معه فيها زائر إنكليزي زار هذه المدينة في نفس الفترة تقريبا. يقول الرحالة بلاكسلي: كانت الأوقاف كثيرة، و هي مورد التعليم المجاني. و كانت تزيد أحيانا عن حاجة المدرسة و المسجد فيخصص منها جانب للفقراء أيضا. و قد حضر بلاكسلي مع المستشرق شيربونو درسا كان يلقيه بعض المدرسين فقال أنه مدرس يمتاز بالذكاء و الجاه، و كان الدرس في تفسير القرآن الكريم. أما في وقت الزيارة فقد أصبحت المدارس و المساجد و الزوايا ((مهجورة و خرابا في كل مكان بالجزائر)) كما أن فقر السكان الذي جاء في أعقاب مصادرة أموال الأوقاف كان بدون شك السبب الرئيسي في هذا الخراب، رغم أن الحرب كانت سببا أخر أيضا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير