تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

و نفهم من ذلك أنه بعد الاستيلاء على المدن و مصادرة الأوقاف و هجرة العلماء، قصد المتعلمون الراغبون المناطق البعيدة عن الفرنسيين لمواصلة تعلمهم العربي و الإسلامي، و منه ذلك التعليم الذي كان منتشرا في مدارس و زوايا منطقة زواوة. و يقول تقرير كتب عن بجاية و ما حولها سنة 1840 أن كل دشرة (قرية) كان لها طالب يحسن اللغة العربية، و هو يقوم في نفس الوقت بوظيفة إمام المسجد، و يعلم الأطفال الكتابة و القرءة و حفظ القرأن، و له أجر يشترك فيه الجميع، و كان بعض هؤلاء الطلبة قد حصلوا على مبادئ الفقه في الزوايا، و هم يحكمون بالصلح بين الناس أيضا. و في كل قبيلة أماكن مخصصة للتعليم و تكوين التلاميذ في المواد التي ذكرناها، في أماكن عادة تكون قريبة من الزاوية التي فيها أو كان فيها مرابط أشتهر بين الناس بالورع و التقى. و الدراسة مجانية و مدتها غير محددة، و الجميع، و كان بعض هؤلاء الطلبة قد حصلوا على مبادئ الفقه في الزوايا، وهم يحكمون بالصلح بين الناس أيضا. و في كل قبيلة أماكن مخصصة للتعليم و تكوين التلاميذ في المواد التي ذكرناها، في أماكن عادة تكون قريبة من الزاوية التي فيها أو كان فيها مرابط إشتهر بين الناس بالورع و التقى. و الدراسة مجانية و مدتها غير محددة، و الجميع، المعلمون و التلاميذ، يعيشون من تبرعات و إحسان القبائل المجاورة، و أحيانا من مداخيل مخصصة لهم بمقتضى الأوقاف التابعة للزاوية منذ عهود سالفة.

و الزاوية مكان مقدس لدى الجميع و لا أحد يجروء على إنتهاك حرمتها.

و أبرز هذه الزوايا في المنطقة هي زاوية شلاطة التي كانت تبعد مسافة يومين عن سوق بجاية، و هي تقع على الضفة اليسرى لوادي أقبو. و تسمى أيضا زاوية إبن علي الشريف. و لها سمعة علمية تجاوزت حدود الجزائر إذ كانت الهدايا من فاس و تونس و أسطنبول.

و في دراسة هانوتو ولوتورنو عن منطقة القبائل ما يؤكد هذه الظاهرة كما سنرى، فقد قالا إن كل فرد في المنطقة يعرف القراءة و الكتابة، و للسكان مدارس عامة، و إعتزاز قوي بدعم هذه المدارس إذ يرون في ذلك واجبا دينيا و نخوة خاصة. و لغة التدريس هي اللغة العربية و المواد كلها إسلامية، و هي تتبع المنهج الإسلامي. و التعليم في هذه المؤسسات على مرحلتين: إبتدائي و ثانوي. و هناك بعض المدارس الخاصة تحت إشراف المرابطين، و هم يقومون عليها بحماس ديني قوي، فهم يستقبلون العديد من الشباب و يوفرون لهم المسكن و المأكل، و يعلمونهم مجانا، و كان التعليم نفسه عموميا.

و هذه الظاهرة كانت عامة، كما لاحظها مختلف الكتاب، و نعني ظاهرة إنتشار الكتابة و القراءة و حفظ القرأن في المدن و الأرياف على السواء، حسب برنامج موحد يقوم على دراسة العلوم الإسلامية باللغة العربية. و لاحظ أحد الضباط الفرنسيين أن منطقة ميزاب كانت تتبع نفس المنهج و بحماس كبير حتى أنه لا يوجد إلا عدد قيليل جدا هناك لا يعرف القراءة و الكتابة. و قال أن أعمال الحساب عندهم منتشرة حتى أن تجارتهم في مدن التل يقومون بالحساب في سجلاتهم دون وسائط. و التعليم عندهم يجري في المساجد على يد " الطلبة " أيضا. و كل مدينة لها جامع خاص بذلك. لكن السكنى للطلبة كانت في أماكن مخصصة لهم خارج المسجد، و الطلبة (المعلمون) لا يأخذون أجرا من أولياء التلاميذ، و كل أجورهم يأخذونها من الأوقاف.

و توزع مداخيل الوقف نوعا لا نقدا. هذا عن التعليم الإبتدائي، أما الثانوي فيحصلون عليه في المساجد الكبيرة بالدروس العامة المتطورة أو بالهجرة في سبيل العلم إلى مناطق أو بلدان أخرى.

فإذا كان حال العلم غداة الاحتلال هو الازدهار و الانتشار و الاحترام، فاين هو بعد ربع قرن من ذلك؟ لقد أهمل الفرنسيون التعليم في المدن و الأرياف، على السواء، لأسباب مختلفة منها إغتصاب موارده، و كثرة الحروب، و مشاركة الطلبة في واجب الجهاد. و بعد ضعف التعليم بل نكاد نقول إنهياره في المدن على إثر الإحتلال، بقي التعليم في الزوايا و المعمرات، فخرج إليها التلاميذ وإغتربوا فيها طلبا للعلم و المقاومة الثقافية. و بعد نجاح الإستعمار في التوغل في الريف أيضا و مراقبة المعلمين.

و التلاميذ ضعف التعليم هناك أيضا و حوصر إداريا بالقوانين و لغويا بالفرنسية، سيما منذ الستينات، و في هذه الأثناء نشأت زوايا جديدة مثل زوايا الهامل و أولاد جلال و قصر البخاري، و فتحت زواية نفطةأبوابها للجزائريين، و ظلت زوايا زواوة مستمرة في التعليم إلى ثورة 1871. و كل هذه الزوايا ترجع إلى الطريقة الرحمانية عدا زاوية قصر البخاري التي كانت شاذلية. و مع ضغط الإستعمار في عهد الجمهورية الثالثة كادت حركة التعليم العربي- الإسلامي تختفي، و هكذا إرتمى الناس في أحضان الطرق الصوفية و الغموض و الدروشة، و إعتقدوا أن الخلاص لم يعد بالسلاح و لا بالتعليم و لكن ببركة الشيخ الصوفي و المرابط. و سنعرف التطور الذي حدث منذ العشرية الأخيرة من هذا القرن، سواء في ميدان التعليم العربي الإسلامي أو في الميدان السياسي و الفكري أو في الميدان الصوفي.

أما في الناحية الغربية فقد أصيبت حركة التعليم بالشلل، نتيجة الحروب القاسية أثناء المقاومة التي قادها الأمير عبد القادر. فقد تعرضت المدن الرئيسية إلى تبادل الأيدي عدة مرات. فهذه تلمسان و معسكر، و مستغانم ووهران، تعرضت جميعا إلى خروج أهلها منها عدة مرات، و منهم بالطبع المعلمون و التلاميذ. و توقفت مدرسة مازونة عن وظيفتها مدة طويلة، و تعرضت المكتبات و المساجد و الزوايا و المدارس إلى النهب و الهدم، و الهجران. و قد إعتمد الأمير عبد القادر على فئة العلماء و المثقفين في إدارته، فجعل منهم القضاة و الخلفاء و الكتاب. و رغم إهتمامكه بالتعليم في الخيام و في المدن التي كانت تحت يده، فإن حركة التعليم قد تأثرت بشدة، و نفس الشيئ يقال عن مليانة و المدية اللتين كانتا تابعتين لحكم الأمير إلى سنة 1840.

يتبع ان شاء الله

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير