تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

-وكذلك تفرقة الدكتور فاضل السامرائي لتعدية (أغرقوا) بـ (من) وبـ (الباء) في قوله تعالى: ? ممّا خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا ناراً ? (نوح: 25) إذ يقول (المعنى أنّ الماء دخل عليهم من خطيئاتهم أي جاءهم من هذا المكان كأن الخطيئات ثغرة دخل منها الماء فهي للإبتداء، ولو قلت: (بخطيئاتهم أغرقوا) لكان المعنى أن الغرق مقابلٌ للخطيئات كأنهم أدّوا ثمن الخطيئات، وهو الغرق) ((26)).-وكذلك التفرقة الدقيقة بين تعدية الفعل (أوحى) (باللام) و (إلى)، حيث ذهب أبو حيان إلى أن التعدية في قوله تعالى: ? يومئذٍ تُحدِّث أخبارها بأن ربّك أوحى لها) جاءت لأجل الفاصلة يقول: (وعَدَّى أوحى باللام، وإن كان المشهور تعديتها بإلى لمراعاة الفواصل) ((27)) وليس الأمر كذلك فعند استقراء مواضع فعل الإيحاء في القرآن كله لا نراه يتعدى بـ (إلى) إلا حين يكون الموحى إليه من الأحياء يطرد ذلك في القرآن كله، كما تقول بنت الشاطئ، فآيات الإيحاء المعداة بـ (إلى) وعددها سبع وستون آية، يقابلها آيات الإيحاء المعداة باللام حين يكون الموحى إليه جماداً فالفعل يتعدى باللام كآية الزلزلة أو بحرف في كما في آية فصلت (وأوحى في كل سماءٍ أمرها).فدلالة (اللام) الإيحاء المباشر على وجه التسخير ودلالة (في) البث والملابسة أما الإيحاء بـ (إلى) فيأخذ دلالته الخاصة في المصطلح الديني للوحي إذا كان الموحى إليه من الأنبياء ((28)) وهذا أولى مما قاله أبو حيان.

خلاصة القول

خلاصة باب التضمين ما قاله الدكتور الجواري من أنه لا يُعقل أن يُعدل عن المعنى الأصلي في أي لفظٍ تراد دلالته المجازية، وإنما يكون المعنى الآخر مجاوراً للمعنى الأصلي، وهذا هو المراد بالعلاقة، مدلولاً على المعنى الجديد من خلال ذلك المعنى الأصلي ووافق ما ذهب إليه ابن هشام والعز بن عبد السلام وإن يكن غير موافق للصناعة البلاغية على حدِّ قوله، فهو مطابق لواقع المعنى وللمراد حقاً بهذه الأساليب وهو توكيدٌ لما يُراد بلفظ المجاز، وهو الممر الواصل بين معنيين: المعنى الأصلي ومعنى مجاور له لعلاقة التجاور بين المعنيين ((29)).

وكما أفاد التعبير القرآني من التضمين وما يحققه من إثراء دلالي، أفاد الحديث النبوي منه، وقد وجدت أن شراح الحديث وجهوا مثل هذه التعابير على:

1.التضمين بأن يقدروا في الفعل معنى فعل ٍ آخر يصلح أن يكون للمفعولين المذكورين.

2.أو أن يقدروا بعد العاطف فعلا خاصاً مناسباً للمفعول الثاني.

من ذلك رواية الأكثر في البخاري: (فأبردوا بالصلاة) بمعنى: أخِّروا الصلاة على سبيل التضمين، وإن قيل بزيادة الباء ((30))

وقوله (فانطلقت معه فأسقاني سويقا وأطعمني تمرا) ورد بلفظ " ألا تجيء فأطعمك سويقا وتمرا " ومعلوم أن السويق يسقى لا يطعم لذلك جاء في عون المعبود (كأنه استعمل الإطعام بالمعنى الأعم وليس هذا من قبيل علفتها تبنا وماء، لأنه إما من الاكتفاء وإما من التضمين، ولا يحتاج لذلك هنا لأن الطعام يستعمل في الأكل والشرب، وقد بين في الرواية الأخرى أنه أسقاه السويق) ((31)).وقد استدل ابن حجر رحمه الله في دفاعه عن التضمين بقول ابن مالك عن حديث: (وَمَا عَسَيْتهمْ أَنْ يَفْعَلُوا بِي) (قَالَ اِبْن مَالِك: فِي هَذَا شَاهِد عَلَى صِحَّة تَضْمِين بَعْضِ الْأَفْعَالِ مَعْنَى فِعْل آخَر وَإِجْرَائِهِ مَجْرَاهُ فِي التَّعْدِيَةِ، فَإِنَّ (عَسَيْت) فِي هَذَا الْكَلَام بِمَعْنَى (حَسِبْت) وَأَجْرَيْت مَجْرَاهَا فَنَصَبْت ضَمِير الْغَائِبَيْنِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُول ثَانٍ، وَكَانَ حَقّه أَنْ يَكُون عَارِيًا مِنْ " أَنْ " لَكِنْ جِيءَ بِهَا لِئَلَّا تَخْرُج " عَسَى " عَنْ مُقْتَضَاهَا بِالْكُلِّيَّةِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ " أَنْ " قَدْ تَسُدّ بِصِلَتِهَا مَسَدّ مَفْعُولَيْ (حَسِبْت)، فَلَا يُسْتَبْعَد مَجِيئُهَا بَعْد الْمَفْعُولِ الْأُولَى بَدَلًا مِنْهُ. قَالَ: وَيَجُوز حَمْل " مَا عَسَيْتهمْ " حَرْف خِطَاب وَالْهَاء وَالْمِيم اِسْم عَسَى، وَالتَّقْدِير مَا عَسَاهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا بِي، وَهُوَ وَجْه حَسَن) ((32))

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير