- ما يداخل العربية من لغات أجنبية ولهجات محلية متنوعة وهو ما يضع اللغة العربية في المجتمع الحديث في وضعية شديدة التعقيد. وخلص المحاضر الى ان الرؤيا الواضحة هي الحلقة الضعيفة أو المفقودة في استراتيجياتنا ومخططاتنا، وان ترقية العربية موكول الى الاستعمال الحيوي التفاعلي الذي لا تصنعه المدارس أو الكليات ولا توفره قاعات الدروس (الا قليلا)، وانما ميدانه الرئيسي الصحافة ووسائل الاشهار.
اللغة خطاب ثقافي ...
أما المداخلة الثانية فكانت لمدير إذاعة تونس الثقافية السيد عز الدين العامري وعنوانها «مسؤولية الاعلامي في التعامل مع اللغة».
انطلق المحاضر من سؤال جوهري مفاده هل اللغة مجرد آلية تواصل وهو سؤال أجابت عنه مقاربتان، كلاسيكية ومعاصرة ألسنية ترفض الاكتفاء بالنظر الى اللغة مجرد وسيلة تعبيرية
بل اللغة تشريط للوعي، أي هي التي تشكل وعي الذات نظرا الى التلازم العضوي بين اللغة والفكر.
واستنادا الى هذه الرؤية، ينتهي الاستاذ العامري الى ان كل خطاب اعلامي هو اساسا مشروع ثقافي وتشريط لوعي المتلقي وفقا لمنظومة قيم، فاللغة في الاعلام، هي صناعة للرأي العام، وهنا تبرز مسؤولية الاعلامي المطالب باعتماد اعلام المضامين بعيدا عن الدعاية واعلام الاثارة، ووفق هذا التمشي يكون الاعلام بالفعل محافظا على مقومات الهوية، معززا لرصيدها، مساهما في حيويتها.
التشدد خطر على اللغة
اما السيد ابراهيم بن مراد فكان عنوان محاضرته بـ «أي فصحى للاعلام» ?
وقسمها الى قسمين، الاول في تحديد مفهوم الفصحى، والثاني في علاقة الفصحى بالاعلام.
وبين ان تحديد الفصحى يخضع لمقاييس متنوعة، ولذلك فمفهوم الفصحى متغير متبدل عبر التاريخ. ومن هذه المقاييس مقاييس المكان ومقياس الزمان، ومقياس الفصاحة.
ونبه السيد بن مراد الى ان النزعة المحافظة المتشددة التي تتصدى لكل جديد في الاستعمال اللغوي، خطر على تطور العربية، فالفصاحة لا تقيد بعصر. ولذلك فإن العربية الوسطى، وهي الفصحى الغالبة على الاستعمال في الاعلام التونسي، ليست خطرا على الفصحى ما لم تمس الظاهرة الاعرابية، لأن احترام الوظائف الاعرابية هو الذي يضمن تواصل التفاهم بلغة مشتركة واحدة.
أما المستوى الثاني من العربية المستعملة في وسائل اعلامنا فوصفه الاستاذ بن مراد بالملوث، فلا هو بالعامي الخالص ولا هو بالعربية الوسطى، ولا هو باللغة الاجنبية الخالصة، بل هو خليط ينبغي الامتناع عنه
قانون ملزم لحماية اللغة
وتلت المداخلات الثلاث، تعليقات للسادة:
ـ المنجي الشملي
-العروسي النالوتي (جريدة المستقبل) وزياد كريشان عن (مجلة Réalités )
وهشام الحاجي عن (جريدة الوحدة)
وتضمنت هذه المداخلات جملة من الافكار والهواجس الشخصية حول الموضوع، وأجمعت على ضرورة التزام الاعلامي الواعي بسلامة أدائه اللغوي لهجيا كان أو فصيحا، ومخاطبة الناس بما يفهمون مع احترام المقام، فليس الامر دعوة الى التقوقع والانغلاق بل دعوة الى احترام النظام الداخلي لمستوى الممارسة اللغوية المعتمدة سواء كانت فصحى أم عامية.
واقترح السيد هشام الحاجي العمل على اصدار قانون ملزم في الغرض.
أخطار «الردة اللغوية»
أما السيد حامد الزغل فتحدث عن «لغة الاشهار في وسائل الاعلام» واستهل تدخله باستعراض تاريخ الاشهار في تونس زمن الاستعمار وسنوات الاستقلال الاولى، وتقديم الاطار القانوني المنظم للقطاع. وأشار الى خطورة «الردة اللغوية» التي يأتيها بعض القائمين على وسائل الاشهار والاعلام، وهو ما يهدد وحدة الثقافة العربية ويجعل تراثنا المكتوب من اختصاص قلة من العلماء، حتى جاء القول الفصل من سيادة الرئيس حماية لمقومات هويتنا. ودعا المحاضر شركات الاشهار الى عدم الحياد عن سياسة تونس اللغوية واستغلال ما في لغتنا من حيوية وثراء في النصوص الاشهارية المتنوعة.
بين الفصحى والعامية
أما محاضرة السيد الهادي بن نصر حول «العامية التونسية ولغة القرب بين القطاع العام والقطاع الخاص». وطرح إطارا عاما لتناول الموضوع مفاده ان العامية التونسية ليست ثقبا أسود في كيان اللغة العربية وإنما هي كوكب يدور في فلك النجم اللساني المميز- والعبارة للمحاضر - فإن انحرف الكوكب عن مداره، حل الخطر بالانسلاخ عن الهوية الثقافية.
وبين المحاضر ان التخلص من حالة العوز البلاغي العارض في اللسان الدارج التونسي مسؤولية كافة صانعي الخطاب الاعلامي والابداعي والترفيهي، وإليهم تعود مسؤولية تعهد حقول اللسان التونسي بالإخصاب.
فلا شيء في نظر المحاضر يبرر بعض ممارسات الخطاب الاشهاري اللغوية وعدم مواكبة الفضاء التجاري والقطاع البنكي، الارادة الوطنية لإعطاء اللسان الوطني المكانة الرفيعة التي تليق به.
اللغة إجابة عن سؤال الهوية
أما محاضرة السيد كمال عمران حول «اللغة العربية والهوية والمستقبل» فبيّن في مستهلها أن انعقاد هذا اليوم الدراسي يؤكد فكرة المشاركة في بلادنا، فتونس ملتقى الحضارات لا وحدانية للرأي فيها، بل نحن إزاء ثقافة متفتحة تقتضي التعدد.
في هذا الاطار، ابرز المحاضر أنه يتعين الحديث عن اختصاصات في اللغة العربية، فلغة الجامعي تختلف عن لغة الاعلامي وإن كان الجامع بينهما الوضوح واعتبر السيد كمال عمران أن اللغة إجابة عن سؤال الهوية: من نحن، مما يحتم على كل الاطراف مجابهة التحديات بوعي ومسؤولية دعما لهوية منفتحة تقطع من الهوية المنغلقة وخطاب الهوية القاتلة.
الدفاع عن اللغة دفاع عن الوحدة الوطنية
وقد أثارت التدخلات نقاشا مستفيضا يمكن تلخيصه في الآتي:
- الدفاع عن اللغة العربية هو دفاع عن الوحدة الوطنية.
- الدفاع عن اللغة العربية هو موقف حداثة لا موقف انغلاق.
- المسؤولية المشتركة لكل الاطراف مؤسسات وأفراد في الواقع الحالي للأداء اللغوي في الاعلان والاشهار، والنهوض به.
¥