ـ[د. عمر خلوف]ــــــــ[15 - 02 - 2009, 05:23 م]ـ
اسمح لي سيدي أن أنسخه هنا لتسهل قراءته للجميع:
أهي طبقية ثقافية؟!
د. حسناء عبدالعزيز القنيعير
اللغة وطن الأمة الروحي، وخزانة تراثها الفكري، ووعاء ثقافتها وآدابها وعلومها، وحاملة هويتها وشعائرها ماضياًَ وحاضراً ومستقبلاً. ولهذا تحرص الأمم على سلامة لغتها حرصها على ذاتها، وتتمسك بها تمسكها بحقيقتها، وتدافع عنها دفاعها عن حماها.
إن الباحث والكاتب في أي موضوع ينبغي له إدراك ما يكتب عنه وما يبحث فيه إدراكاً شاملاً متأنياً غير متسرع، بتحديد ما يتصل به من معلومات وحقائق وعما يطرح فيه من أفكار، معملاً فيها فكره مقلباً رأيه باذلاً جهده، متبصراً في حلها باعتماده على المصادر المعرفية والقيمية.
لفت نظري المقال الذي كتبه الكاتب عبدالله بن بخيت في هذه الجريدة بعنوان: (في أي الأزمنة نعيش)! معترضاً فيه على (إصرار) المصححين اللغويين على كلمة (تلفاز بدلا من تليفزيون) ومع احترامي لوجهة نظر الكاتب، إلا أن ما كتبه استوقفني كثيراً؛ إذ فيه مفاهيم لا يمكن أن يتجاوزها القارئ المختص، ومما أراه جديرا بالتعليق:
1– قوله إن كلمة تلفاز (مجرد تحوير لكلمة هي في الأصل أجنبية) ويقصد تليفزيون. وهذا غير صحيح؛ إذ ما في كلمة تلفاز ليس تحويرا، بل هي كلمة معربة تعريبا صرفيا على وزن من أوزان العربية وهو وزن (تفعال) بكسر التاء، وهذا الصنيع يدخل في باب الاقتراض اللغوي الذي هو عملية تلاقح تحدث بين اللغات في كل العصور في مستوى الألفاظ، أي كل ما تقترضه لغة من لغة في محاولة لسد الفراغات المعجمية الموجودة في معاجمها العامة أو المختصة، وقد اقترضت اللغة العربية طوال تاريخها كثيراً من الألفاظ الأعجمية نتيجة لاحتكاك العرب بغيرهم من الأمم، واقتضى ذلك الاحتكاك جريان الألفاظ الأعجمية على ألسنة الناطقين قبل شروع اللغويين في دراستها ووصفها، فالعرب تكلموا بتلك الألفاظ كما سمعوها، وكما سمحت لهم قدرتهم على نطقها، فكان أن انحرفت ألسنتهم عند التلفظ ببعض الأصوات التي لا مقابل لها في العربية؛ لتكون أكثر انسجاماً مع الأنظمة الصوتية العربية، فالألسنة تُمرّن على إجراء الأصوات بترتيب يتكرر ثم يطّرد فيصبح عادة، وكلُ دخيل على العادات النطقية يتحول تلقائياً إلى ما يناسب القوانين الصوتية للغة تحقيقاً للانسجام الصوتي.
فالكلمة الأعجمية لكي تجدَ قبولاً في البيئة العربية، لا بدّ أن تخضع أصواتها التي لا مثيل لها في الأصوات العربية للإبدال وهو يتم بأقرب الأصوات العربية إليها مخرجاً، يشير إلى هذا سيبويه بقوله: "إنهم مما يغيرون من الحروف الأعجمية ما ليس من حروفهم ألبتة".
لقد دخلت العربية كثير من الألفاظ الأعجمية إبان عصور الاحتجاج، وتكلم بها العرب الفصحاء رغم بقائها على وزنها الأعجمي، ولم يؤثر ذلك في درجة قبولها، وذلك مثل: خراسان وآجر وإسماعيل وفرند وإهليلج وشطرنج. كما استوعبها القرآن الكريم مثل: أباريق وسجيل واستبرق وأرائك وسندس وزنجبيل وكافور ومشكاة وصراط وغير ذلك، وهو ما اصطلحوا على تسميته قديماً وحديثاً بالمعرب والدخيل.
وتكاد تجمع كثير من المصادر القديمة على أنّ التعريب يعني إجراء تغيير في الألفاظ الأعجمية على نحو يجعلها أكثر انسجاماً مع صيغ العربية في المستويين الصرفي والصوتي. يقول الجوهري في الصحاح: "تعريب الاسم الأعجمي أن تتفوه به العرب على مناهجها، تقول عربته العرب وأعربته أيضاً". بمعنى أن تعامل الكلمة الأجنبية وكأنها كلمة عربية، فيشتقّ منها حسب كل المقولات الصرفية المعروفة، ولهذا فإن كلمة (صراط) إغريقية:
Strata
بمعنى طريق، ومنها جاءت كلمة شارع في الإنجليزية الحديثة:
Street
هذه الكلمة أنزلت صرفياً على وزن (فعال) بكسر الفاء، ثم غُيرت أصواتها بأقرب الأصوات العربية إليها مخرجا تحقيقا للانسجام الصوتي، ولهذا عُدت كلمة (صراط) من الكلمات المعربة، كما وردت في الشعر القديم كلمة قميص على وزن (فعيل) بفتح الفاء، وهي من الإغريقية لكنها صارت معربة:
kamision
¥