نظرَ الهنودُ إلى الصَّرفِ على أنَّهُ دراسةٌ لأقسامِ الكلامِ، كما نظروا إلى اشتقاقِ الكلماتِ وتغيُّرِها، وميَّزوا بينَ أربعةِ أقسامٍ للكلامِ هي: الاسمُ والفعلُ وحروفُ الجرِّ والأدواتُ الأخرى.
أمَّا في مجالِ الأصواتِ فقد كانَ السَّعيُ إلى التَّوصُّلِ إلى النُّطقِ الصَّحيحِ لأناشيدِ الفيدا وراء اهتمامهم أو ما بعدَ اهتمامهم لدراسةِ الأصواتِ والبحوثِ الصَّوتيَّةِ التي ازدهرت لديهم، فالصَّوتيُّونَ الهنودُ لم يتوقَّفوا عند الوصفِ الدَّقيقِ لنطقِ الأصواتِ المفردةِ، بل أنشؤوا مبادئ صحيحةً لتصنيفِ الأصواتِ، وميَّزوا بينَ الأصواتِ السَّاكتةِ والمتحرِّكةِ ونصفِ المتحرِّكةِ.
أثَّرت البحوثُ اللغويَّةُ الهنديَّةُ في الشُّعوبِ المجاورةِ، فمع انتشارِ الدِّيانةِ البوذيَّةِ في الصِّين انتشرت أفكارهم اللغويَّةُ عامَّةً ووصلت هذه الأفكارُ إلى الإغريقِ عن طريقِ بلاد فارسَ قبل الميلادِ، كما أنَّ هنالك من يرى أنَّ هذه الأفكار اللغويَّةَ اليونانيَّةَ قد أثَّرت في اللغويِّينَ العرب ثمَّ انتقلت إلى الأوربيِّينَ بدءاً من القرنِ الثَّامن عشر عندما عُرِفت اللغةُ السنسكريتيَّةُ في أوربَّا.
نُشيرُ هنا إلى أنَّ اللغويِّين الهنود كانوا وصَّافينَ للُّغةِ، كما درسَ الهنودُ مسألةَ الصِّلةِ بينَ اللفظِ والمعنى أو بينَ الصِّلةِ بينَ الكلمةِ ومدلولِها، وانقسموا إزاءَ هذه المسألةِ فريقينِ؛ فريقٌ يرى الصِّلةَ طبيعيَّةً وحتميَّةً، وفريقٌ يراها صلةً اصطلاحيَّةً اعتباطيَّةً.
يقول اللغوي الهندي (باتنجالي): (إنَّ الشَّخصَ الذي ينطق نصوص الفيدا بطريقة صحيحة كلمةً كلمةً ونبراً نبراً ومقطعاً مقطعاً حقيق بأن يقف في مقام الفداء أمام الرب ويقدم القرابين له).
وبصدد الاعتراف بفضل الهنود في مجال الدِّراسات الصَّوتيَّةِ يقول اللغوي الإنجليزي جون فيرث: (لقد نشأت الدراسات الصوتية ونَمَتْ في أحضان لغتين مقدَّسَتَيْن: العربيَّة والسنسكريتيَّة).
كما يقول بِرْجشتراسر: (لم يَسْبِقِ الأوربيين في هذا العلم إلاَّ قومانِ هما العرب والهنود).
المنجزات اللغوية عند الإغريق
شغلت قضايا علم اللغةِ مكاناً هامَّاً وبارزاً في المناقشات الفلسفيَّةِ عند الفلاسفةِ الإغريق واعتمدوا في هذا على الوظائف المعرفيَّةِ والفلسفيَّةِ والتربويَّةِ والخطابيَّةِ لا على الوظائف الدِّينيَّةِ والعمليَّةِ، وتركت هذه النَّظرةُ الفلسفيَّةُ إلى اللغةِ أثراً واضحاً في القضايا المدروسةِ لاسيَّما في العلاقةِ بين الكلمةِ والمعنى أو بينَ الأشياءِ ومسمَّياتها.
ويمكن تقسيم الدِّراسات اليونانيَّةِ حولَ اللغةِ إلى فترتين:
- الفترة الفلسفيَّةُ (5 - 3ق. م).
- الفترة الإسكندرانيَّة (3ق. م – 4م).
ويُعدُّ الإغريق أوَّلَ من سجَّلَ ودوَّنَ حُروفَ المدِّ في الكتابِ، كما أنَّهم ميَّزوا بين أقسامِ الكلامِ واهتمُّوا ببنيةِ اللغةِ ونشأتِها أكثرَ من عنايتهم بتطوُّرِ اللغاتِ وتنوُّعِها، فمن حيثُ مسألة الصِّلةِ بينَ اللفظِ والمعنى انقسَمَ الفلاسِفةُ الإغريقُ فريقينِ: الأوَّلُ يُمثِّلُهُ أفلاطون (427 – 347ق. م) في حوارِهِ (براتينوس) ويرى أنَّ الصِّلةَ لازِمةٌ طبيعيَّةٌ، والفريقُ الثَّاني يُمثِّلُهُ أرسطو (384 – 322ق. م) ويرى أنَّ هذه الصِّلةَ اصطلاحيَّةٌ عرفيَّةٌ.
أمَّا في الإسكندريَّةِ فقد بلغ علم اللغةِ عند اليونانِ أوجَ ازدهارِهِ في الفترةِ الهلنستيَّةِ (اليونانيَّة – الشَّرقيَّة 334 – 531ق. م) في الإسكندريَّةِ في مصر وفي منطقة (بيرغام) في آسيا الصُّغرى، وفي جزيرة رودوس.
قام قواعديو الإسكندريَّةِ بجمعِ كلمات اللغةِ ووضعِها في معاجِمَ، كما قامَ (ديسكولوس) بوضعِ نحوٍ وصفيٍّ للُّغةِ اليونانيَّةِ.
المنجزات اللغويَّة عند الرومان
كانت منجزات اللغويِّين الرومان متواضعةً في هذا المجال، فقد كانوا تلامذةً للإغريق وطبَّقوا نظام قواعديِّي الإسكندريَّةِ على اللغةِ اللاتينيَّةِ، حيثُ إنَّ النَّحوَ اليونانيَّ قد وصل إلى روما في القرن الثَّاني قبل الميلاد، أي في عام (167ق. م) عندما وصل (كراتيس) رئيس مدرسة (بيرغام) اللغويَّة إلى روما بوصفِهِ سفيراً.
¥