اهتمَّ اللغويُّون الرومان بالبلاغة وأدخلوا في أقسامِ الكلامِ أسلوب النِّداءِ، وقام (بولي تسيزار) بإضافةِ بعضِ الجوانب الإعرابيَّةِ غيرِ الموجودةِ في اليونانيَّةِ.
ويُعدُّ اللغوي (مارك فارون) أو (مارك فارو) من أشهر القواعديين الرومان (116 – 27ق. م) وقد ألَّفَ كتاباً في نحو اللغةِ اللَّاتينيَّةِ سُمِّيَ بـ (حولَ النَّحو الرُّوماني) في خمسةٍ وعشرينَ كتاباً وصلَ إلينا منه ستَّةُ كتبٍ فقط.
المنجزات العربية اللغوية في القرون الوسطى
ظهر النحو العربي بقفزةٍ نوعيَّةٍ عندما ظهر كتاب سيبويه مُحِيطَاً بكافَّةِ نواحي علوم العربيَّةِ , فهو يضمُّ النَّحوَ والصَّرفَ والبلاغة واللغَة والأصواتَ. ويتساءل البعض: ألم تكن هناك بداياتٌ ومقدِّمَاتٌ لكتاب سيبويه؟
لقد كانت هناك بدايات , لكنها لم تكن مدوَّنة , فقد كان اللغويُّونَ قبلَهُ يذهبون إلى الصَّحراء ليأخذوا اللغة عن الأعراب الفُصحاء , ولكنهم لم يكونوا يدوِّنون ما يَجمَعُون , وربما ألَّف بعضهم شيئاً عن ذلكَ لكنَّ كتبهم لم تصل إلينا.
وربَّمَا كان من أهمِّ منجزات العربِ الكبرى في القرون الوسطى المعاجمُ , إلى جانبِ اهتمامهم بالأصوات والنَّحوِ، وقد تفنَّن العربُ في المعاجم , ولم تستطع أيَّةُ أمَّةٍ أن تصل إلى هذا المستوى العربي في وضع المعاجم.
لقد صنع العربُ معاجمَ في الألفاظ , وأخرى في المعاني , وقبلها كانت هناك رسائلُ في الخيل والشَّجَرِ والشاة وغيرِها، ثم ظهر معجم العين للخليل , ثم تلاهُ كتاب سيبويه.
وفي أثناء ذلك وبعده أخذ العرب يتفننون في المعاجم , فرُتِّب العين بحسب مخارج الحروف , ورُتِّبَ غيرُهُ بحسب التَّقَالِيبِ , ومعاجِمُ أخرى رُتِّبتْ حسب أوائل الكلمات أو أواخِرِها , وأخرى رُتِّبت بحسب المعاني , كـ (فقه اللغة) للثعالبي , و (المُخَصَّص) لابن سِيدَه (ت 458هـ).
أما نظريَّةُ الحقُولِ الدِّلالِيَّةِ التي قال بها اللغويُّونَ في العصر الحديث , حين لجؤوا إلى تقسيم كلماِت أية لغة إلى مجالاتٍ وحقولٍ فقد طبَّقها ابن سيده في معجمه في القرن الخامس الهجري , أي قبل ظهورها في القرن العشرين بقرون.
منجزات عصر النهضة الأوربية إلى نهاية القرن الثامن عشر
سادت في هذه الفترة فكرةُ منطقِيَّةِ اللغَةِ , أي محاولةُ إخضاعِ اللغَةِ لقواعِدِ المنطق، هل تتشابه جميع اللغات في بنيتها؟ وهل يمكن أن تشترِكَ القواعِدُ بين جميعِ اللغاتِ؟ وبما أنَّ المنطق واحد فهل يمكن أن تكونَ القواعِدُ التي تحكم اللغاتِ واحدةً؟ وهل تخضَعُ اللغَةُ لمنطِقِ الحَيَاةِ؟
سادت فكرة منطقية اللغة في مدرسة بور رويال , حيث قام اثنان من القسس هما (لانسلو) و (أرنو) عام 1660م بوضع كتاب أُطْلِقَ عليه اسم (النحو العام والعقلاني) حيثُ قالا إنَّ النَّمَاذِجَ النَّحويَّةَ ينبغي أن تتطابق مع متطلَّبات المنطق، ولَمَّا كان المنطِقُ واحداً عند البشر جميعاً كان من الممكن بناءُ نظريَّةٍ نحويَّةٍ جامِعَةٍ تُناسِبُ جوهر اللغاتِ جميعاً.
استمر هذه التيَّارُ المنطقيُّ العقلانِيُّ حتَّى القرنِ الثامن عشر لاسيما في فرنسا , وحتى ذلك التاريخ كان اللغويون يعتدُّون باللغة المكتوبة، ثم بدأ اهتمام الإنكليز ينصبُّ على اللغة المنطوقَةِ , الأمرُ الذي كان يُعَدُّ شيئاً مبتكراً في ذلك الوقت؛ ذلك أنَّ اللغَةَ السَّائدَة في الدِّرَاسَاتِ اللغويَّةِ كانت اللغةَ اللاتينيَّةَ ونصوصَها المكتوبَة إلى أن استقلت اللغات القومية كالفرنسية والإسبانية والإيطالية، والتي كانت مجرد لهجات يُنْظَر إليها نظرةً دُونِيَّةً.
في القرن الثامن عشر بدأت في أوربا حقبةٌ جديدةٌ يمكن أن نطلق عليها اسم (حقبة التَّأمُّلِ في أصلِ اللغَةِ) حيث بدأ العلماء يتأملون في أصل اللغة , وظهرت فرضيَّةٌ تَقُولُ بِقِدَمِ اللغة العبرية.
¥