تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

سادسًا: الكلام الذي ورد في أصله من العرب ثم تكلّم به النبي - صلى الله عليه وسلّم - ودُوِّنَ في دواوين السنة وثبت ذلك عندنا. ألا يُعدُّ ذلك حديثاً، أو أنّه يبقى على صبغته ولا يُعدُّ حديثاً وإن نطق به النبي - صلى الله عليه وسلّم - وأصحابُه، رضي الله عنهم؟

قلت:

نعم يعد حديثا في سياقه الذي جاء به، ونظمه الذي ورد عليه، فنومان يعد جزءا من حديث إذا نص المؤلف على ذلك بأن قيل: وفي الحديث: يانومان، أوأتى بسياق يفهم منه أنه جزء من حديث، كأن يقال:

كقول حذيفة: فَلَمَّا أَصْبَحْتُ قَالَ قُمْ يَا نَوْمَانُ.

أما أن يقول: وقالت العرب: يا نومان. فلا يعد هذا من الحديث.

وقال حفظه الله:

سابعًا: سيبويهِ صاحبُ ورعٍ، ولم يكن الحديثُ في متناول يده كما هو بعد عصر التدوين وفي زماننا، ولم يكن متخصصاً في الحديث، ويخشى الخطأ، لذا سمع الكلام من العرب ونسبه إليهم كما أخذه. ونحن الآن عرفنا يقيناً أنه من الحديث، وذلك بالرجوع إلى كتب الحديث، وذكرنا مَنْ رواه بالأسانيد، وذكرنا الكتاب والجزء والصفحة ورقم الحديث، ألا يحق لنا أن نقول: إنه حديث أو أثر؟

قلت:

نعم إذا وجدنا أن سيبويه ذكر نصا مفيدا ونسبه للعرب وعرفنا أن أصل النص حديث فعندئذ يحق لنا أن نقول: إن هذا النص ورد في الحديث بلفظ آخر. ونعلل اختلاف ما نسبه سيبويه للعرب مع نص الحديث، كحديث: كل مولود يولد على الفطرة، وحديث: ما من أيام .. والتعليل عندي أن العرب تصرفت في لفظ الحديث، كما تصرف ببعض الآيات أهل الجفاء منهم ممن لا علم له بالقرآن، فقالوا: ولم يكن كفوا له أحد، وقالوا: ما هذا بشرٌ، بالرفع، فهذا النص نعلم يقينا أن أصله من القرآن ولكنهم تصرفوا فيه، فلم يعد من القرآن.

أما أن يرد لفظة واحدة، كأن يقول سيبويه: وقالوا: اثنتان، فنقول: هذا جزء من قوله صلى الله عليه وسلم:

اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ.

أو قوله صلى الله عليه وسلم:

يَهْرَمُ ابْنُ آدَمَ وَتَشِبُّ مِنْهُ اثْنَتَانِ الْحِرْصُ عَلَى الْمَالِ وَالْحِرْصُ عَلَى الْعُمُرِ.

فلا يصح هذا النهج مطلقا.

ثم قال الشيخ حفظه الله:

ويلوحُ لي أنَّ سيبويه يعلم أنَّ هذه اللفظة من ألفاظ الحديث، ولكنه لا يرفعه ورعاً اتّباعاً لمنهجه الذي رسمه لنفسه في كتابه في عدم عزو الأقوال والشعر، وهو يعزو إلى شيوخه فقط بقوله: قال الخليل، وقال يونس، وقال ... ، وهو لا يُخَرِّجُ غيرَ القرآن الكريم؛ لأنّه يحفظه بيقين كما يحفظ قراءاته؛ لأنه طالب علم من الطراز الأول، وكما اختار الله – عز وجل – للقرآن الكريم أئمة، وللحديث الشريف حَفَظَةً اختص بالنحو سيبويه إماماً للنحاة ورائداً

قلت:

لا دليل البتة على أن سيبويه كان يعلم أن هذه الألفاظ المفردة من الحديث الشريف، فهي ألفاظ عربية ترد في كلام العرب جميعا، أما عدم ذكره لأسماء الشعراء فلثقته بمن يروي الشعرعنهم من شيوخه.

وللحديث صلة إن شاء الله.

ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[11 - 04 - 2009, 01:04 م]ـ

قال الشيخ حفظه الله:

أليس من العار والشنار أن نُنَحِّ كلامَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلّم - وأصحابهِ – رضي الله عنهم – من الشواهد النحوية؟ وهو رصيد ضخم، ومعجم لا يضاهيه معجم، عُني به علماؤنا الأفذاذ عناية فائقة؟

أليس من الواجب علينا أن نلقِّن أبناءَنا في قاعات الدرسِ النحوَ مرتكزين على المادة التي تلقّاها الصحابةُ - رضي الله عنهم – مع القرآن الكريم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلّم - ونحببَهم بها؛ ليتعلقوا بأمثلتها وشواهدها وخاصّة في هذه الأيّام ... ؟

ثم أليس يتحتّم علينا أن نؤيّد ذلك بأن إمام النحاة سيبويه احتجَّ في كتابه بأحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلّم - وكلام أصحابه – رضي الله عنهم – ما دمنا نلمح ذلك في كتابه، ونستشفُّ بريقَ الحديث يشعُّ من بين سطوره غير متكلفين؟

قلت:

شيئان يجب أن نعترف بهما:

الأول أن النحويين الذين وضعوا قواعد النحو لم يستقرئوا نصوص الأحاديث كما استقرؤوا أقوال العرب وأشعارهم.

الثاني أن النحويين ضعفوا بعض القراءات القرآنية السبعية في بعض المواضع، ونسبوا ذلك إلى خطأ القارئ.

ولا أرى في الأمرين عارا ولا شنارا.

أما الأمر الأول فإن النحويين انشغلوا بجمع لغة العرب في البوادي، ولم يكن من بين هؤلاء العرب رواة للأحاديث، كما لم تكن كتب الحديث قد دونت.

وثم أمر آخر وهو أن كثيرا من رواة الحديث كانوا من الموالي، ولم يكونوا ليأخذوا اللغة برواية الموالي.

وبعد أن دونت كتب الحديث وانتشرت في القرن الثالث كان الزمن قد تباعد عن عصور الاحتجاج فلم يرجع النحويون لهذه المصنفات، بخلاف اللغويين الذي عنوا ببيان معاني مفردات الأحاديث في كتب عرفت بكتب غريب الحديث.

وأما موقفهم من القراءات وتضعيفها والحكم على القراء بالوهم والغلط فأمر غير مستنكر لأن القارئ الراوي من البشر، وليس معصوما من الخطأ.

إن القرآن بمجمله تكفل الله بحفظه، ولكن ذلك لا يستلزم عصمة كل قارئ من الخطأ في حرف ما من القرآن، فما أخطأ فيه واحد جاء صحيحا عند آخر، فالقرآن على الجملة محفوظ وإن وقع بعض القراء في الخطأ في بعض المواضع.

هذا ما لدي الآن في هذا الموضوع، وهو عندي محل بحث وتنقير وتدقيق إلى أن يمن الله بالهداية إلى الحق وإلى سواء الصراط.

مع دعائي للشيخ الفاضل بالتوفيق والتسديد.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير