تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والرضي ينتهج نهج سابقيه في تناوله " للتقديم والتأخير" في الآيات القرآنية. يقول: " قوله تعالى: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) () وهذه استعارة على أحد التأويلين، وهو أن يكون في الكلام تقديم وتأخير، فكأنه تعالى قال: أرأيت من اتخذ هواه إلاهه. معنى ذلك أنه جعل هواه آمراً يطيعه، وقائداً يتبعه فكأنه قد عبده لفرط تعظيمه له " ().

والكرماني يشير إلى النوعين كليهما في المواضع التي تناولها بالتحليل في كتابه. فقد أشار إلى " التقديم والتأخير" الرتبي في موضع وحيد عند تناوله الآية رقم (5) من سورة الفاتحة: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) بقوله: "تقديم (إياك) على الفعل لأن في التقديم فائدة، وهي قطع الاشتراك، ولو حذف لم يدل على التقديم، لأنك لو قلت: (إياك نعبد ونستعين) لم يظهر أن التقدير: (إياك نعبد وإياك نستعين) أم (إياك نعبد ونستعينك) فكرر " ().فهو هنا يشير إلى تقدم ضمير المفعول (إياك) على الفعل والفاعل وجوبا من ناحية النحو، ويحلل بدقة سبب تكرار الضمير (إياك)، وأشار إلى أن السر في التقديم هنا هو (قطع الاشتراك) أو إفراد الله عز وجل بالعبادة والاستعانة. وقطع الاشتراك مصطلح مرادف للاختصار أو الإفراد.

أما بقية المواضع التي ذكرها " للتقديم والتأخير" فإنه يجعلها من باب "التقديم والتأخير" المعنوي ().

وابن أبي الإصبع المصري يجعل محور بحثه " للتقديم والتأخير " في كتابه على النوع المعنوي منه، ويتخذ من التحليل المستفيض حجة للتدليل على ما ذهب إليه. يقول في معرض حديثه عن الآية رقم (49) من سورة الشورى: " وقعت صحة التقسيم في هذه الآية على الترتيب الذي تقتضيه البلاغة، وهو الانتقال في النظم من الأدنى إلى الأعلى، إذ قدم فيها هبة الإناث، وانتقل إلى هبة الذكور، ثم إلى هبة المجموع، وجاء كل أقسام العطية بلفظ الهبة، وأفرد معنى الحرمان بالتأخير لأن إنعامه على عباده أهم، وتقديم الأهم واجب في كل كلام بليغ. " ()

فالرجل هنا يقر بكون البلاغة تقتضي تقديم الأهم، والتدرج في التقديم من الأدنى إلى الأعلى، وهذا أحد مسوغات وأسباب "التقديم والتأخير" المعنوي. وكذلك فعل فيما تعرض له من آيات اشتملت على " التقديم والتأخير" المعنوي. ()

ويشير ابن أبي الإصبع إلى " التقديم والتأخير" الرتبي في موضعين من كتابه في باب الترتيب وباب التوكيد. يقول في باب الترتيب: " الترتيب عبارة عن الجمل وترتيب مفرداتها في الوضع والتأليف، فيجب على من قصد الترتيب في النظم أن يقدم الفعل في الجملة الفعلية، ثم يقدم بعد الفاعل المفعول المطلق، ثم المفعول به، فيقدم منه ما تعدى الفعل إليه بنفسه، ثم يأتي بعده بما تعدى الفعل إليه بغيره، إلا أن يمنع من ذلك مانع لفظي أو معنوي. " () ولا ندري ما الذي استند إليه ابن أبي الإصبع من وجوب تقديم المفعول المطلق بعد الفاعل، كذلك لا ندري السبب الذي دفعه إلى إغفال الترتيب في الجملة الاسمية.

أما في باب التوكيد فيقول: " كل لفظة لا يصلح مكانها غيرها، ولا يجوز تقديم المتأخر منها ولا تأخير المتقدم، فإنك لو قلت (يا الله اقض بالعدل) أو (اللهم اقض بالعدل) أو (رب اقض بالحق) أو (احكم رب بالحق) أو (رب بالحق احكم) أو (بالحق رب احكم) أو (احكم بالحق رب)، لوجدت نظم القرآن أصح وأبين، وأسهل وأحسن، والتهذيب في كون تركيب الجملة وضع على أصح ترتيب، وأسهل تهذيب، إذ تقدم فيها ذكر المدعو وثني بالطلب، وثلث بالمطلوب، وحسن البيان، فلأن الذهن يسابق إلى فهم معنى الكلام من غير توقف مجرد سماعه أول وهلة لعدم التعقيد في النظم، وخلوه من أسباب اللبس من التقديم والتأخير، وسلوك الطريق الأبعد، وإيقاع المشترك." () ألا تراه يقرر هنا قواعد رتبية، ويشير إلى ترتيبات معنوية، إذ يجعل من نظم القرآن في قوله تعالى " (رب احكم بالحق) () قاعدة في الترتيب المعنوي لا الرتبي، فالأولى البدء بالمدعو ثم التثنية بالطلب وتثلث بالمطلوب. وكذلك يقرر أن القاعدة في الترتيب هو أن كل لفظة في مكانها لا يصلح فيه غيرها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير