تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الأولى: في معرض حديثه عما يقصده من وراء نعت ائتلاف اللفظ والوزن، فجعل مدار كلامه على " التقديم والتأخير " بقوله: " هو أن تكون أوضاع الأسماء والأفعال والمؤلفة منها وهي الأقوال، على ترتيب ونظام لم يضطر الوزن إلى تأخير ما يجب تقديمه، ولا إلى تقديم ما يجب تأخيره " ().

أما القضية الثانية: فقد ذكرها في أثناء حديثه عن عيوب ائتلاف اللفظ والوزن؛ والذي سماه " التفصيل ". وقد عرفه قدامة بقوله: " وهو ألا ينتظم للشاعر نسق الكلام على ما ينبغي لمكان العروض فيقدم ويؤخر كما قال دريد بن الصمة:

وَبَلِّغْ نُمَيْرًا – إِنْ عَرَضْتَ – ابْنُ عَامِرٍ فَأَيُّ أَخٍ فِي النَّائِبَاتِ وَطَالِبِ

ففرق بين نمير بن عامر بقوله: إن عرضت " ().

إن قدامة في هذين الرأيين اعتمد " التقديم والتأخير " محورا لكلامه، وأدار عليه اجتهاداته، ففي القضية الأولى يذهب إلى استحسان نسق الكلام العادي، والترتيب المثالي، ويذهب إلى أن استخدام المبحث في الكلام إنما هو من قبيل الاضطرار، فالذي يجب على الشاعر التزامه هو نسق الكلام العادي، فلا يؤخر ما يجب تقديمه، ولا يقدم ما يجب تأخيره، بل يلتزم تقديم المتقدم، وتأخير المتأخر.

كذلك نلمح هنا إجحافا للمبحث، وغمطا لحقه، فكيف يغيب عن ناقد وبلاغي فحل مثل قدامة، جمالية وفنية استخدام " التقديم والتأخير " كأحد السمات المميزة للبلاغة العربية ومن قبلها النحو؟! وكيف يغيب عن ذهنه – وهو من هو – روعة الاستخدام القرآني لهذه السمة أروع استخدام؟!

أما القضية الثانية والتي نحا فيها نحو " الخلط " بين " التقديم والتأخير" و" الاعتراض" بمسمى جديد هو " التفصيل ". وجعله من عيوب ائتلاف اللفظ والوزن لا يشفع له، ولا يبرر له هذا الخلط.

تلك هي أهم آراء قدامة في المبحث وما يتصل به من قضايا، رغم ما يعتور هذه الآراء من خلط.

أما أبو هلال العسكري فقد فصل القول في المبحث وما يتصل به من قضايا في كتاب " الصناعتين "، وقد تناول في تحليلاته ثلاث قضايا كل منها غاية في الأهمية هي:

الأولى: قضية وجوه المعاني، وقد بدأ الكلام فيها بالتنبيه على كون المعاني على وجوه بقوله: " والمعاني بعد ذلك على وجوه منها ما هو مستقيم حسن كقولك: قد رأيت زيدا. ومنها ما هو مستقيم قبيح نحو قولك: قد زيدا رأيت. وإنما قبح لأنك أفسدت النظام بالتقديم والتأخير. ومنها ما هو مستقيم النظم وهو كذب مثل قولك: حملت الجبل، وشربت ماء البحر، ومنها ما هو محال كقولك: آتيك أمس، وأتيتك غدا " ().ففي هذا النص ذكر العسكري أربعة أنواع للمعاني هي:

1 - المستقيم الحسن؛ وهو ما جاء على النظم المألوف، مثل: قد رأيت زيدا.

2 - المستقيم القبيح؛ وهو الذي جاءعلى قواعد التركيب المقررة، ولكنه فاسد المعنى، مثل قولك: قد زيدا رأيت.

3 - المستقيم النظم وهو كذب؛ جاء على قواعد التركيب لكنه كذب في الحقيقة، مثل: شربت ماء البحر.

4 - المستقيم النظم المحال الوقوع؛ وهو ما جاء وفقا لقواعد التركيب، لكنه محال الحدوث لتضمنه ما لا يستطاع.

والذي يهمنا في هذا المقام هو النوع الثاني وهو المستقيم القبيح، ففي هذا النوع استقام الكلام تركيبا، لكنه فسد معنى. والعسكري يتخذ من " التقديم والتأخير " في هذا الضرب وسيلة مفسدة للنظام ومن ثم المعنى، ومن جاء تصنيفه لهذا النوع بأنه المستقيم تركيبا القبيح دلالة. ويؤخذ على العسكري هنا إطلاقه وتعميمه بلا دليل، وعدم استثناء بعض التراكيب النحوية المختلة بنيويا " بالتقديم والتأخير " لكنها مستقيمة المعنى والدلالة، وتؤدي دلالات لا تؤديها الجملة في الحالة المثالية.

المهم هنا هو اتكاء العسكري في تصنيفه لأنواع المعاني على " التقديم والتأخير ". وجدير بالذكر هنا أن هذه التقسيمات التي ساقها العسكري ليست من بنات أفكاره بل هي من نتاج ذهن سيبويه في " الكتاب " ()، ولم يشر العسكري لذلك مجرد إشارة بسيطة.

أما القضية الثانية: فتتعلق بالتقسيم أيضا، لكن هذه المرة تقسيم النظم أو كما سماه العسكري " الرصف ". فقد جعله على ضربين؛ حسن، وسييء، وجعل لكل ضرب شروطا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير