تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والحديث عند البخاري بلفظ: "سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ فَمَنْ وَجَدَ مِنْهَا مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ".

وفي السياق من المحسنات البديعية: تشابه الأطراف، إذ بدأت كل جملة تالية بنهاية الجملة السابقة: "القائم" و "الماشي" وهذا أبلغ في بيان التدرج في ملابسة الفتن.

*****

وفي حديث أبي أمامة رضي الله عنه: (ستكون فتن يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا، إلا من أحياه الله جل وعلا بالعلم).

فالتنكير في "فتن" للتعظيم.

يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا: مقابلة تدل على التغير المفاجئ.

من أحياه الله بالعلم: استعارة وفاقية، فالعلم والحياة يمكن اجتماعهما في شيء واحد.

*****

ونحوه حديث: (بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا):

بادروا: مفاعلة من فاعل واحد خلاف الأصل، وقد يقال بالمفاعلة من جهة المفعولات، فمفعول العبد الشرعي في مقابل مفعول الرب، جل وعلا، الكوني، فترد المصيبة الكونية بالأسباب الشرعية.

كقطع الليل المظلم: تشبيه مرسل مجمل فحذف وجه الشبه وهو: شدة السواد التي تحجب رؤية العين البصرية كما يحجب سواد الفتن رؤية العقل العلمية.

يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا: مقابلتان تستوفيان كل أحوال المكلف.

يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا:

استعارة أصلية في الفعل "يبيع" الذي استعير لبيان معنى الاستبدال، وهي تبعية لوقوعها في الفعل المشتق: "يبيع"، وفيها مئنة من رضا المكلف بذلك، فالبيع مظنة الاختيار وعدم الإكراه وذلك أعظم في الجرم.

بعرض: تنكير للتحقير.

*****

ومن حديث العرباض رضي الله عنه: وهو عند اللالكائي، رحمه الله، بلفظ: "قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها، لا يرجع عنها بعدي إلا هالك، ومن يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وعليكم بالطاعة وإن كان عبدا حبشيا، وإنما المؤمن كالجمل الأنف حيث قيد انقاد".

فـ: "قد": تحقيقية.

وفي الكلام: إيجاز بالحذف، إذ تقدير الكلام: تركتكم على الملة البيضاء أو المحجة البيضاء، فحذف الموصوف وأناب عنه الوصف، لأنه محط الفائدة، فإن الترك على أي ملة لا يغني من الله، عز وجل، شيئا، وإنما الشأن هو: الملة البيضاء التي لا دغل فيها، فهي ناصعة بينة لكل سائر إلى الله، عز وجل، قد بانت أصولها وفروعها، علومها وأعمالها، بيانا لا مزيد عليه، مصداق قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا).

ليلها كنهارها: لا تختلف باختلاف الأعصار والأمصار، فإن الحق واحد لا يتعدد، قديم مذ كتب الله، عز وجل، المقادير قبل خلق السماوات والأرض

والإضافة في: "ليلها ونهارها": إضافة اختصاص وملابسة، فقد أضافها إلى ظرفها الذي يحويها، فإن الليل والنهار: ظرف المقادير والأعمال.

لا يرجع عنها بعدي إلا هالك: قصر بأقوى أساليبه: النفي والاستثناء، وفي الخبر وعيد يحمل المخاطب على التزام الجادة، فهو يفيد بمفهومه سلامة من لم يرجع عن المحجة البيضاء بعد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فيقال بأنه: خبر أريد به إنشاء الأمر بسلوك الجادة بدلالة المفهوم، وهو الوعد بسلامة من لم يزغ عنها، وإنشاء النهي عن الحيدة عنها بدلالة المنطوق، وهو الوعيد بهلاك من زاغ عنها.

ومن يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا: خبر موطئ لما بعده.

فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين: إغراء بالتزام السنة.

وقوله: "عضوا عليها بالنواجذ": فيه الاستعارة التصريحية التبعية في الفعل: "عضوا": إذ استعاره لمعنى التمسك الشديد، وقد وقعت الاستعارة في فعل مشتق لا اسم جامد فكانت تبعية من هذا الوجه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير