تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وفي جواب الشرط: زجر شديد لمن سولت له نفسه نصب العداء لجبريل، فقد نصب العداء لرب جبريل!!!، فهلا أقلع بنو إسرائيل عن نصب العداء للروح الأمين عليه السلام.

"وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ":

توكيد باللام وقد التي دخلت على الماضي فأفادت التحقيق، ولا يكفر بها إلا من تحقق فيه الوصف الذي اشتق منه اسم الفاعل: "الفاسقون".

"أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ":

استفهام إنكاري توبيخي إذ ما بعده قد وقع، فكم من العهود التي نبذها القوم إلى يوم الناس هذا، وفي السياق إيجاز بالحذف، إذ حذفت جملة تناسب السياق بعد همزة الاستفهام عطف عليها ما بعدها عطف مسبَب على سببه، فتقدير الكلام: أستهان أولئك بعهود الله، عز وجل، فكلما عاهدوا عهدا .........

وبل: للإضراب الانتقالي فلم تبطل ما قبلها وإنما انتقلت إلى معنى جديد يؤكد ما سبقه، فهو بمنزلة العلة للمعلول، فنقض العهود فرع على عدم الإيمان.

"وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ"

في الإتيان بلفظ: "النبذ": إشعار بقبح فعلهم، فقد هجروه هجر المستخف القالي، فهان عليهم طرحه، فاستعارة الطرح من طرح المحسوس إلى طرح المعقول مشعر ببعدهم الشديد عن تعاليم النبوة فقد طرحوها جانبا والمرء لا ينبذ إلا مكروها يثقل كاهله.

وقوله: "كأنهم لا يعلمون": قطع لعذرهم بالجهل فقد سلكوا طريق الجهال وليسوا بجهال، بل هم كالجهال في عملهم وإن كانوا عالمين، فكم من عالم بالمباني مفرط في المعاني.

"وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102) وَلَوْ أَنَّهُمْ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ".

عدول عن الحق إلى الباطل، كما أشار إلى ذلك الشيخ السعدي، رحمه الله، فإن النفس كالإناء إن لم يمتلئ حقا امتلأ باطلا، فالعدول عن وحي الرحمن لازمه اتباع وحي الشيطان، وهو ما وقع فيه القوم.

"اتبعوا": تضمين للفعل معنى فضلوا، كما اختار ذلك الطبري، رحمه الله، دلت عليه التعدية بـ: "على".

"وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا": نفي وإثبات، فنفى الكفر عن سليمان عليه السلام، إذ رموه بالسحر ولازمه الكفر، فنفى عنه اللازم، ونفي اللازم نفي لملزومه، كما أن نفي النتيجة نفي لمقدمتها، ونفي المسبَب نفي لسببه. وأثبت الحكم للشياطين، فقد كفروا بتعليم السحر، ففي السياق: طباق بالسلب، وهو من آكد ما يكون في معرض المقارنة بين متضادين.

"وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ": عطف مسبب على سببه، فتعاطي أسباب الفتنة سبب للوقوع في الكفر، وعطف بالفاء التعقيبية المشعرة بتحقق الحكم بمجرد مباشرة الفعل وفي ذلك من الزجر ما فيه.

"وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ": احتراس لئلا يظن ظان أن الضر والنفع بيدهما، فإنما يضران بسحرهما من شاء الله، عز وجل، وقوع الضرر عليه بإذنه الكوني، فإذا شاء أنفذه وإذا شاء أبطله.

يقول القرطبي رحمه الله: " (إلا بإذن الله): بإرادته وقضائه لا بأمره، لأنه تعالى لا يأمر بالفحشاء ويقضي على الخلق بها". اهـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير