"وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ": إطناب في بيان خطر السحر، إذ ذكر فردا من أفراد عموم الضر وهو التفريق بين المرء وزوجه ثم عطف عليه عموم الضر المستفاد من "ما" الموصولة": عطف عام على خاص، والمقام مقام: تحذير وزجر من فعل يوجب الخسران، فناسب أن يطنب في بيان خطره لعل السامع يتعظ.
"وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ": توكيد باللام وقد الداخلة على الفعل الماضي، واللام في "لمن": لام القسم فهذا توكيد ثان، وفي تقديم الجار والمجرور "له": توكيد ثالث، وفي دخول "من" التي تفيد التنصيص على العموم في سياق النفي: توكيد رابع، فالمقام، كما تقدم، مقام تحذير فناسب حشد أكبر قدر ممكن من المؤكدات على عظم هذا الجرم.
"وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ": إطناب آخر في مقام الوعيد مصدر بذم ما باعوا به أنفسهم، وفي لفظ "شروا": استعارة تفيد معنى الاستبدال، فقد استبدلوا النجاة بالنفس يوم الجزاء بثمن بخس من حطام دار الفناء.
"لو كانوا يعلمون": نزلهم منزلة الجاهل مع علمهم، إذ العلم بلا عمل مئنة من جهل صاحبه، إذ ما قيمة العلم ولو كان نافعا إن لم يتوج بعمل صالح؟!!.
"وَلَوْ أَنَّهُمْ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ": إيجاز بالحذف إذ جواب "لو" محذوف تقديره: "لأثيبوا"، دل عليه المذكور "لمثوبة"، فلا يجمع بين العوض والمعوض عنه كراهة التطويل.
"خير": أفعل منزوعة الدلالة على التفضيل إذ لا وجه للمقارنة ابتداء بين مثوبة الله، عز وجل، وما حصلوه من عرض الدنيا الزائل، وفي ذلك من التنزل واستدراج المخاطب ما فيه، فيظهر صاحب الحق نوعا من التلطف مع خصمه دون أن يتنازل عما يعتقده أو يداهن في دين الله عز وجل.
فهي على وزان قوله تعالى: (وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ)، وكفرهم لا خير فيه.
وقول حسان رضي الله عنه:
أَتَهْجُوهُ وَلَسْتَ لَهُ بِنِدٍّ ******* فَشَرُّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الْفِدَاءُ
ومن يهجو رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا خير فيه أصلا بل هو معدن شر ومادة خبث.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[26 - 11 - 2008, 07:46 ص]ـ
ومن المشاهد التالية:
قوله تعالى: (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (108) وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110) وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)
أم تريدون: أم منقطعة بمعنى "بل"، فالكلام خارج مخرج التوبيخ، وفي الحديث: (ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ).
كما سئل موسى: إيجاز بالحذف، فتقدير الكلام: سؤالا كما .........
ومن يتبدل: شرط سيق مساق التهديد ففيه معنى طلب الكف، فهو خبر أريد به الطلب.
وفي الكلام طباق بين الإيمان والكفر.
¥