تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ: لو "مصدرية" لا جواب لها، فيكون تقدير الكلام: ودوا ردكم، وأشار أبو السعود، رحمه الله، إلى وجه آخر تكون فيه لو: شرطية على أصلها، فيكون في الكلام: إيجاز بالحذف فتقدير الكلام: لو يردونكم لسروا بذلك، وإذا دار الكلام بين الحذف وعدمه، فعدمه أولى، إذ الأصل عدم الحذف.

وفي الإتيان بالمضارع "يردونكم": إشارة إلى استمرار كيدهم فهو مستمر إلى يوم الناس هذا.

وقد ضمن الفعل: "يردونكم" معنى: التصيير، بدليل تعديه إلى مفعولين.

حسدا من عند أنفسهم: إطناب بذكر "الأنفس" فالحسد لا يكون إلا من النفس، فنص عليها توكيدا وإلزاما على وزان قوله تعالى: (يقولون بأفواههم)، و: (يكتبون الكتاب بأيديهم)، و: (ولا طائر يطير بجناحيه)، و: (وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ).

فاعفوا واصفحوا: عطف متلازمين، فالصفح لازم العفو، فمن تجاوز عن الذنب بالعفو أعرض عن المؤاخذة عليه بالصفح.

حتى يأتي الله بأمره: عدة بجزاء الصبر الجميل، فأمر الله، عز وجل، آت لا محالة، وإنما النصر مع الصبر.

إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ: تذييل يناسب الوعد السابق، فالوعد لا يكون إلا من قادر.

كل شيء: عموم لا مخصص له، ولا يرد على ذلك قول من شط فقال إذا كان الله قادرا على كل شيء فهل يقدر على خلق إله مثله؟!!!، والجواب أن ما ذكره من باب: المحال لذاته، فالشرع والفطرة والعقل والحس كلها ترده، والمحال لذاته ليس بشيء أصلا حتى تتعلق به القدرة، فالقدرة إنما تتعلق بالممكنات لا المعدومات المحالات، بخلاف العلم فإنه قد يتعلق بالمعدوم على سبيل الفرض الذهني، فلا حقيقة له في الأعيان، كما في قوله تعالى: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا)، ووجود آلهة إلا الله: محال لذاته، ومع ذلك قدر وجوده على سبيل الفرض الذهني، وأخبر عن لازم ذلك من خراب العالم بتعدد الآلهة.

وأقيموا الصلاة: أمر بالاشتغال بالنافع، فإن الإصغاء لكل ما يقوله الأعداء مظنة تضييع الأوقات فيما لا ينفع، فإذا علم كيدهم للدين وأهله، فإن الواجب على أهل الدين الاشتغال بفروضه وأحكامه وإظهار شعائره فإن ذلك مما يكبت عدوهم، فالرد العملي خير من الرد النظري، والعمل الجاد في صمت خير من الحماس المفرط الذي هو مئنة من يقظة ضمير الأمة ولكنه لا ينصر حقا ولا يظهر دينا إن لم يتوج بعلم نافع وعمل صالح، فدين الإسلام: دين عملي واقعي، وليس دين شعارات وأحزاب.

وسر المسألة: واجب الوقت، ففي النوازل يتساءل كل عاقل: وما الذي يجب علي الآن؟ وما الذي أستطيع فعله نصرة للدين وأهله؟، فذلك خير من البكاء والجزع.

وما تقدموا: شرط أريد به إلهاب الهمم وتهييجها، فهو أيضا: خبر أريد الطلب، إذ مآله: أمر بالنهوض نصرة للدين، فمن عمل فإنه سيلقى جزاء عمله، ومن قعد فلا خلاق له عند ربه.

إن الله بما تعملون بصير: تذييل يناسب المقام، فالله عليم بما تقدمونه، فلا تخشوا ضياع أعمالكم سدى، وفي تقديم ما حقه التأخير: "بما تعملون": حصر وتوكيد يزيد المرء ثقة في ربه، فلن يضيع أجر من أحسن عملا.

(وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)

وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى: دعوى بلا برهان، وإنما محض تعصب عرف به أهل الأهواء من الكفار الأصليين والمبتدعة.

هودا أو نصارى: باعتبار معنى "من"، فلفظها: المفرد، ولذلك جاء بعدها الفعل: "كان" مجردا من ضمير الجمع، ومعناها الجمع، فتقدير الكلام: إلا من كانوا هودا أو نصارى.

تلك أمانيهم: تلك إشارة للبعيد على عادة العرب في الإشارة إلى ما انقضى بإشارة البعيد، ولو انقضى قريبا، وقد يقال بأن إشارة البعيد تأتي للتحقير من شأن المشار إليه فكأنه بلغ حدا من الضآلة والضحالة لا يكاد معه يرى بالعيون أو يتصور بالعقول.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير