تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فالجملة بدل من جملة: "يسومونكم" على سبيل البيان بعد الإجمال، إذ المبدل منه موطئ للبدل، فالبدل قائم منه مقام الخصوص بعد العموم، والنص على العذاب جملة ثم تفصيل أفراده جار على ما اطرد في الآية من بيان عظمة منة الله، عز وجل، عليهم، بإنجائهم من ذلك العذاب.

وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ: وفيه حصر وتوكيد بتقديم ما حقه التأخير، مع توجيه الخطاب إليهم بصيغة الجمع التي دل عليها حرف الخطاب: "ذلكم"، وفي توجه الخطاب إليهم تذكير بالنعمة الربانية التي اختصوا بها، وقد وصف البلاء بأنه من الله عز وجل: كونا، فتعلقه بالإرادة الربانية الكونية، فـ: "من": لابتداء الغاية، فإن النعم والنقم منه، عز وجل، فضلا في النعمة، وعدلا في النقمة، ووصف أيضا بالعظمة، والبلاء أيضا من المشتركات اللفظية بل من الأضداد، فهو يدل على النعمة وعلى النقمة، ولا مانع هنا أيضا من الجمع بينهما، إذ ذلك مما يثري المعنى، فهي نعمة عظيمة على بني إسرائيل، ونقمة عظيمة على عدوهم، فهم في عافية من جهتين: من جهة إنجائهم، ومن جهة إهلاك عدوهم، وفي ذلك من تمام المنة ما لا يخفى، فقد تكون المنة بالهروب من بطش الجبار دون إهلاكه، فما ظنك إذا اجتمع الأمران؟!!!

ثم زاد، جل وعلا، تفصيل إجمال قوله: "نجيناكم"، بقوله: (وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) فعظمت المنة ببيان ما أنزله الله عز وجل بعدوهم من الإهلاك غرقا.

ولما كان العذاب متعدد الصور باعتبار الأنواع، متعدد مرات الوقوع باعتبار الأفراد، ناسب أن يرد الإنجاء منه بصيغة تدل على التكثير، ولما كان الإنجاء في لحظة الفرار واحدا ناسب أن يرد بصيغة لا تكثير فيها، فكل معنى مبنى يدل عليه دون زيادة مملة أو نقصان مخل.

كما في الإنزال والتنزيل، في قوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)، و: (وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا):

فالنزول من: "أنزل" واحد: نزول جملة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا.

والتنزيل من: "نزل" بالتشديد متعدد: تنزيل نجوم قرآنية من بيت العزة إلى الرسول البشري صلى الله عليه وعلى آله وسلم بواسطة الرسول الملكي أمين الوحي جبريل عليه السلام.

ونسب الإغراق وهو أيضا من أفعال الرب، جل وعلا، المتعلقة بإرادته الكونية القاهرة، إليه تعظيما لشأنه، فما زال تقرير ربوبيته، عز وجل، نعمة على أوليائه، ونقمة على أعدائه، مطردا، وعم بالنقمة فرعون وآله، وفي ذلك أيضا، مزيد منة، فإن عقاب الرب، جل وعلا، قد عم فرعون وجنده جميعا، فلم يستثن منهم أحدا، وذلك أشفى لصدور بني إسرائيل من إهلاك بعض ونجاة بعض آخر فقد أعلن فرعون حالة التعبئة العامة كما في قوله تعالى: (فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ)، فكان العقاب عاما كما كانت تعبئته عامة!!!.

وفي الإتيان بالحال: "وأنتم تنظرون": مزيد امتنان عليهم إذ وقع العقاب أمام أعينهم، وفي ذلك، كما تقدم، شفاء للصدور التي سيم أصحابها الذل قرونا.

ومع كل ذلك: جحد القوم ما اختصهم الله، عز وجل، به من نعمة، فصرفوا حق التأله لعجل له خوار!!!، بعد أن رأوا من آيات ربهم الكونية ما رأوا، فكان ذلك أقبح، فليس الخبر كالمشاهدة، فمن شهد النعمة الكونية كان أداء حقها الشرعي من الشكر وتمام التأله في حقه: آكد، فإذا جحد شكر الرب المنعم بصرف حقه إلى غيره، فقد وقع في أعظم صور الظلم، ففي الآية تعريض بكل ظالم سوى بين الرب المنعم وما سواه من آلهة الباطل، ولذلك ختمت الآية بقوله تعالى: (وأنتم ظالمون)، تقريرا لجحودهم، وقطعا لحجتهم فلم يكن ذلك من جهل ليعذروا به، وتعريضا بمن جاء بعدهم فوقع فيما وقعوا فيه، وتحذيرا لأهل الإيمان من جنس الظلم، وأعظمه: كفران نعمة الرحمن عز وجل.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير