تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ:

ومع كل ذلك تجاوز الباري، عز وجل، عنهم، فعفا وصفح، فكانت النعمة: نعمة جمال بفعل العفو بعد نعمة الجلال بإهلاك عدوهم، فنعم الله، عز وجل، عليهم تترى، وجحودهم إياها أقبح في الوصف إذ توالي النعم كما، وعظمها كيفا، مظنة الشكران لا الكفران كما تقدم.

ولا تنفك المنة الربانية عن تكليف إلهي، وهو أمر يطرد في آي الكتاب العزيز، كما سيأتي إن شاء الله، فقد عفى الرب، عز وجل، عنكم: (لعلكم تشكرون)، أي: لتشكروا، كما اطرد من معنى: "لعل" في مثل هذا السياق، والشكر فرع على النعمة، فهو حق إلهي لا يستحقه إلا صاحب العطاء الرباني.

وَإِذْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ: نعمة جديدة، هي أعظم من كل ما سبق، فتلك إنما كانت على الأبدان، وهذه إنما تنعم بها الأرواح، فنجاتها في اتباع الوحي المنزل، والروح الباقي أولى بالاعتناء من البدن الفاني، ونجاة الأرواح وإن تلفت الأبدان: عز الدنيا والآخرة، ولذلك شرع إتلاف النفس المحترمة في ساحات الوغى ذبا عن دين الله، عز وجل، مع ما في ذلك من المفسدة، إذ حفظ الدين وهو زاد الروح في سفرها إلى الله عز وجل: مصلحة لا تعدلها مصلحة، فصارت مفسدة إتلاف البدن في مقابلها غير معتبرة.

و "أل" في "الكتاب": عهدية تشير إلى كتاب بعينه وهو التوراة.

والنعمة الشرعية بإنزال الكتاب لازمها امتثال أخباره تصديقا وأحكامه تنفيذا، وإلا عطلت النعمة، وبدلت نقمة بمخالفة الأمر الإلهي الشرعي، فيحل العذاب بالأمر الرباني الكوني، مصداق قوله تعالى: (فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ)، وأي إغضاب للباري، عز وجل، أعظم من تعطيل شرعه، واستبدال زبالة الأذهان بزبدة الرسالات؟!!

وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54) وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56) وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ:

يَا قَوْمِ: إطناب بندائهم تلطفا على وزان قول مؤمن آل فرعون: (يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ)، فالمقام مقام وعظ وإرشاد فناسب أن يتلطف معهم فيه، فالموعظة لا تكون إلا حسنة، مصداق قوله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)، ولطف العبارة لازم الحسن.

إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ:

إنكم: توكيد للجناية.

باتخاذكم العجل: الباء سببية، وأي ظلم أعظم من الشرك والكفران بعد مشاهدة مقام الإنعام عليهم بإنجائهم وإهلاك عدوهم، كما تقدم، فالسنة الكونية قد خرقت لأجلهم، فصارت لهم نعمة ولعدوهم نقمة، مع أن الحدث واحد، ولكن الرب القاهر، جل وعلا، يجعله في حق من شاء منحة، وفي حق من شاء محنة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير