ورحمنا، وملكتم اليوم فظلمتم وقست قلوبكم فلم يسلم الأطفال والنساء والعجائز والشيوخ من حقدكم الديني، وكأن ثمن الجنة لا يكون إلا من دم المخالف؟!!!.
وتلك سمة مطردة في مناهج أهل الأهواء من الكفار والمبتدعة، ولذلك تراهم مع اختلاف طرائقهم، يدا واحدة على أهل الحق، على طريقة: عدو عدوي صديقي إلى حين، والمثال العراقي، ومن قبله المثال الأفغاني: خير شاهد على ذلك.
واليوم نرى العلمانيين الذين تسللوا إلى مقاعد الرئاسة في السلطة الفلسطينية يباركون إبادة الموحدين في قطاع غزة، فزوال رسم الإسلام منها هدف استراتيجي لكل القوى الإقليمية، فتجربة حماس تجربة محرجة لكثير من الأنظمة الحاكمة التي تبنت خيار: الشرق الأوسط الجديد، فلم يعد الإسلام عندها إلا اسما وشعائر تمارس في دور العبادة التي لا يسلم روادها من المضايقات الأمنية في كثير من بلاد المسلمين، بل ويدخلها المصلون ببطاقات ممغنطة في بعض الدول، فمرتادو مساجد الله: مسجلو خطر لدى كثير من الدوائر الأمنية!!!.
وفي نزول المن والسلوى من السماء إشعار برفعة شأنهما، في مقابل ما طلبوه من خشاش الأرض، فاستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو أعلى، وذلك أليق بهممهم الدنية ونفوسهم الخسيسة، فتلك سمة بني يهود في كل عصر ومصر، فلا تراهم إلا أحرص على الحياة، وأجبن عند اللقاء، فحروبهم إلكترونية كما نرى اليوم في غزة، فلا مواجهة على الأرض، وإنما قذائف تنهال على العزل على طريقة الحرب الأمريكية.
والأمر في: كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ: أمر امتنان وإباحة، ولكن معنى المنة فيه أظهر.
من: جنسية بيانية.
وفي نسبة الرزق إليه، عز وجل، مزيد عناية بالمنة الربانية في مقابل ظلمهم حقَ الألوهية و: مَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ: مقابلة بين جملة النفي والإثبات، فالله، عز وجل، لا يقدر أحد من عباده على إيصال الأذى إليه، وإنما العباد هم الذين يتأذون بسوء صنيعهم.
وفي السياق جناس بين "ظلمونا" و "يظلمون": يزيد المعنى بيانا، فـ: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)، والظلم دليل الفقر، والفقر مئنة من النقص، وذلك ممتنع في حق الرب، جل وعلا، فإن من لوازم الربوبية: الغنى المطلق، والظالم لا ينفك محتاجا إلى ما بيد المظلوم، فيبخسه إياه، فمن نسب إلى الله، عز وجل، الظلم، فقد نسب إليه النقص المطلق، وتلك مئنة من جهله بمقام الربوبية فوقع التعدي منه بجحد حق الألوهية، بتنزيه الباري، عز وجل، عما لا يليق بجلاله من أوصاف النقص.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[31 - 12 - 2008, 08:39 ص]ـ
ثم انتقلت الآيات إلى تقرير تكاليف إلهية فرعا على منح ربانية:
وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ:
فـ: "ادخلوا": أمر تكليف.
و: "فكلوا": أمر إكرام وامتنان، يؤيده الإطلاق في: "حيث شئتم"، فالعموم مظنة الامتنان إذ تقييد النعمة بوجه دون آخر مظنة التنغيص، ولذلك قرر أهل العلم أنه: لا مفهوم لما سيق امتنانا كما في قوله تعالى: (نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ)، فلا يقال بأن النار متاع للمسافرين في الأرض القفر دون غيرهم لأن في ذلك تخصيصا، والتخصيص مظنة تنغيص المنة بقصرها على أحوال أو أعيان دون أخرى. بل الصحيح أنها: متاع لهم ولكل مسافر ومقيم.
ويؤيده أيضا: التوكيد بالمصدر المحذوف الذي وصف بـ: "رغدا"، فتقدير الكلام: فكلا منها أكلا رغدا، وإليه أشار أبو السعود، رحمه الله، بقوله: "رغدا: صفةٌ للمصدر المؤكَّد أي أكلاً واسعاً رافهاً". اهـ
و "ادخلوا الباب": إيجاز بحذف الجار "من" على وزان: قالا خيمة معبد، أي: قالا في خيمة أم معبد.
و: "سجدا": حال مؤسسة قيدت عاملها بهيئة السجود، ووصفت صاحبها به، وفي ذلك: إشعار بالاستسلام لله، عز وجل، صاحب المنة الربانية، والانقياد له بالطاعة: مقتضى الأمر الشرعي التكليفي.
¥