تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

، وقد نقضوا عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ونقضوا قبله: عهود أنبيائهم فقتلوهم وأغروا غيرهم بقتلهم، ومع ذلك يصر ملوك الطوائف العرب على عقد المعاهات العلنية والسرية معهم لحجز مقعد في "الشرق الأوسط الجديد": شرق أوسط الاعتدال والمحبة حيث لا ولاء ولا براء، فالإنسانية دين الجميع، وهو دين فضفاض يسع كل ملحد ومارق فضلا عن كفار الملل من اليهود والنصارى ومبتدعة النحل من الإسلاميين.

وقياس الطرد والعكس أصل في نصوص الوعد والوعيد، فإن نزول العذاب بهم لاستخفافهم بالأمر الإلهي أمر متعد لغيرهم، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فكل من وافقهم فيه طردا فاستخف بالأمر الإلهي وسخر من التكليف الشرعي استحق ما نزل بهم من العذاب وإن اختلفت صوره فتنوع صور العذاب مئنة من عظم قدرة المنتقم الجبار جل وعلا. وفي المقابل كل من خالفهم فيه عكسا، فامتثل الأمر الإلهي وعظم التكليف الشرعي استحق عكس ما نزل به، فله النصر والتمكين في الأولى، والأمن والنعيم في الآخرة، وذلك لعمر الله: عموم لا مخصص له، وحال ماضينا من العزة وحاضرنا من الذلة خير شاهد على ذلك. وتلك سنة كونية لا محاباة فيها، فليس بين العباد وربهم، عز وجل، من نسب إلا الطاعة، ويوم كان يهود أهل الحق: نصرهم الله، عز وجل، على عدوهم بقيادة يوشع بن نون عليه السلام، ويوم عصوا واعتدوا سلط الله عليهم البابليين والرومان فساموهم سوء العذاب فصاروا أخس الخلق. ويوم كتموا البشارة بالنبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم في توراتهم، نصره الله، عز وجل، عليهم فأجلاهم من محلاتهم، وقتل رجالاتهم، فأعزه الله بطاعته، وأذلهم بمعصيته، واليوم قد صار نسلهم المهين: عقوبة كونية لأمة خاتم المرسلين.

وإلى نعمة ربانية جديدة مقرونة بتكليف إلهي:

وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ

فالانفجار يلي الانبجاس، إذ الانبجاس في قوله تعالى: (فَانْبَجَسَتْ) أول الانفجار، ففي الكلام حذف لما قد علم بداهة، فلن تنفجر إلا بعد أن تنبجس، وفي الكلام حذف دل عليه السياق اقتضاء، فتقدير الكلام: فضرب فانفجرت، وفي ذلك من تعجيل النعمة بالعطف بفاء التعقيب السببية، ما يحمل العاقل على أداء شكرها رغبة الزيادة ورهبة المحق، وفي التنزيل: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7) وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ).

فبالشكر تدوم النعم، وبالكفر تزول. والرب، عز وجل، غني عن شكر عباده فلا يضره كفرهم، فلو كفر من في الأرض جميعا ما نقص ذلك من ملكه شيئا، فالشرط: "إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ" قد أشرب معنى التهديد، فهو خبر في مبناه إنشاء في معناه، وقد دل على العموم فتوجه الخطاب إليهم ابتداء مؤكدا بالضمير المنفصل: "أنتم"، ثم عطف غيرهم عليهم: عطف عام على خاص، فـ: "من": موصول مشترك وهو نص في العموم أُكِد بـ: "جميعا"، وأكد الجواب بـ: "إن"، واسمية الجملة، واللام المزحلقة، وذيلت الآية بما يناسب السياق، فأوصاف الغنى والحمد بنعوت الجمال: علة استغنائه، عز وجل، عن أهل الأرض، فلا يفتقر إلى ما بأيديهم، بل هم المفتقرون إلى إغنائه لهم، فكماله يتعدى إليهم، وكفرهم لازم لهم فلا يصل إلى الله منهم ضر، وفي الحديث: (يا عبادي، إنكم لن تَبلُغوا نَفْعِي فتنفعوني، ولن تبلغوا ضري فتضروني).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير