يخرج: مجزوم في جواب طلب مقدر، ففي الكلام: "إيجاز بالحذف"، فتقدير الكلام: ادعه وقل له: أخرج يخرج، وفي ذلك الحذف مزيد بيان لشدة تكالبهم على خشاش الأرض، إذ تخطوا الشرط إلى محط الفائدة مباشرة، لأن فيه بغيتهم مع خستها ودنوها، فهي من جنس هممهم الدنية.
مما تنبت الأرض: عموم.
من بقلها: خصوص، بعد عموم، فهي بدل من "مما تنبت"، والبدل هو المقصود أصالة بالحكم فقام المبدل منه مقام الموطئ الممهد له، فكأن طرقه الآذان ابتداء استرعى انتباه السامع ابتداء، فإذا ما انتبه طرق سمعه البدل محط الفائدة انتهاء فصار أوضح في البيان وأوقع في النفس.
و "من": جنسية تبين جنس مطلوبهم.
قال أتستبدلون: استفهام إنكاري توبيخي، إذ مراده توبيخهم على هذه المطالب الدنية لا إبطالها، فإنها من المباحات، ولا يملك أحد تحريم ما أحل الله، وإن كان في نفسه دَنَياً تعافه النفوس كالبصل والثوم.
الذي هو أدنى: التعريف بالموصول فيه البيان بعد الإجمال وذلك مما تستجلب به الأسماع إذ النفس تتشوف إلى البيان بعد الغموض والإبهام.
بالذي هو خير: الباء تدخل في المبادلات على الثمن المدفوع فقد اشتروا الخسيس بالنفيس.
اهبطوا مصرا: أمر فيه معنى التعجيز إذ كانوا في التيه وهبوطهم مصرا بعينه آنذاك: أمر محال، وهذا اختيار أبي عبد الله القرطبي، رحمه الله، في تفسيره، وقد يقال بأنه للإهانة، وتنكير "مصرا" للتحقير فإن ما أردتموه موجود في أي مصر فلا اختصاص لمصر به لكونه مما لا تحفل به النفوس لتحرص على استزراعه أو استحصاده.
فإن لكم ما سألتم: تقديم الجار والمجرور مشعر بالاختصاص، فكأن ذلك الخشاش الدني مختص بنفوسهم الدنية فهما في المنزلة سواء، و: الطيور على أشكالها تقع!!!، ولم يعد ذكر مطلوبهم وإنما أجمل ذكره في "ما" الموصولة لعدم الاحتفاء بشأنه فليس مما تحرص الألسنة على جريانه عليها تأسيسا أو توكيدا بالإعادة.
وضربت عليهم الذلة والمسكنة: حذف الفاعل للعلم به، وقدم الجار والمجرور إشعارا باختصاص ذلك الذل بنفوسهم الذليلة فالمشاكلة حاصلة بينهما، و "أل" في الذلة والمسكنة: جنسية استغراقية تفيد عموم ما دخلت عليه فقد ضرب عليهم الذل العام والمسكنة التامة جزاء وفاقا على صلفهم وتكبرهم وسوء أدبهم في طلب الدعاء من نبيهم.
وعطف المسكنة على الذلة: عطف لازم على ملزومه، فالاقتران بينهما حاصل، على وزان قوله تعالى: (وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)، فلازم إلباس الحق بالباطل: كتمان الحق.
وفي هذا المقطع: استعارة مكنية تبعية، إذ شبه الذلة والمسكنة بخيمة مضروبة عليهم، وحذف المشبه به: الخيمة، وأقام الضرب وهو أحد لوازمها مقامه، وقد وقعت الاستعارة في الفعل: "ضرب" فكانت تبعية من هذا الوجه.
ذلك: ما تقدم من العقوبة، وأشار إليه إشارة البعيد على عادة العرب في الإشارة إلى ما انقضى ولو كان قريبا بإشارة البعيد.
بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق: أضاف الفعل إلى الكل، وإن قام به البعض، فليسوا كلهم ممن تلطخت أيديهم بدماء الأنبياء، وإنما عمهم العقاب على عادة الله، عز وجل، في وقوع العقاب عاما على وزان: (أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟!، قَالَ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ)، و: (يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ) فيهلك الصالح في العقاب العام ويبعث يوم القيامة على نيته، فلا يلزم من وقوع الهلاك في الدنيا وقوعه في الآخرة، بل قد يكون الهلاك في الدنيا سببا في النجاة في الآخرة بتكفير الذنوب وتمحيص القلوب.
أو يقال: بأن رضا الباقين عن فعل القتلة مشاركة لهم في الجرم فنزلوا منزلة الفاعلين وإن لم يباشروا الفعل بأنفسهم. وفي التنزيل: (فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (30) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ)، فأرسل العذاب عليهم جملة مع أن العاقر واحد لكونهم رضوا بفعله.
بغير الحق: قيد لا مفهوم له، بل هو وصف كاشف يزيد الأمر بيانا، فليس في قتل الأنبياء ما هو حق ليقال بأن للكلام مفهوما.
¥