تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

توكيد بـ: اللام و: "قد" التي دخلت على الماضي فأفادت التحقيق: لتسجيل جرم كتمانهم ما يخجلون منه، فأظهره الوحي للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، مع كونه لم يتلق أخبار الماضين عن يهود أو غيرهم، فهو، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، النبي الأمي الذي لم يجلس إلى معلم.

وفي التنزيل: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ).

و "أل" في "السبت": عهدية تشير إلى قصة أصحاب السبت في سورة الأعراف، فالقرآن يفسر بعضه بعضا فما أجمل في موضع بين في آخر.

فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ:

إشارة إلى تكوين الكائنات بالكلمة التكوينية "كن"، فإذا قال الله، عز وجل، لشيء: كن، فهو كائن لا محالة، وفي ذلك رد على النصارى الذين يزعمون أن المسيح عليه الصلاة والسلام هو ذات الكلمة التكوينية، فإذا كان ذلك صحيحا، لزم منه موت الكلمة التكوينية بصلب الناسوت الذي حلت فيه، فبأي أمر كوني دبر العالم قبل قيام المسيح بعد صلبه وصعوده إلى السماء، وإذا كانت الكلمة قد حلت في ناسوته ما يربو على ثلاثين عاما، كيف دبر العالم طوال تلك الفترة، ولله، عز وجل، في كل سكنة وحركة أمر تكويني، ولو قيل بأنه أحد أفراد جنس الأمر الكوني، فهو "كن" واحدة من جنس "كن" الكونية، لم يسلم لهم ذلك، إذ هو تخصيص بلا مخصص، وإنما مجرد دعوى محضة، فإن الخلق كلهم قد وجدوا بـ: "كن"، فلليهود أن يدعوا نفس الدعوى في موسى عليه الصلاة والسلام، وهو أولى من المسيح من جهة كون رسالته أصلا ورسالة المسيح فرعا، وللمسلمين أن يدعوا نفس الدعوى، وحججهم أقوى وأمارات صحة رسالة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أظهر، والكل باطل، ولكنه من باب التنزل مع المخالف، ولو ماتت "كن" واحدة على خشبة الصلب، لأخذ نوعها نفس الحكم، فما يجري على الفرع يجري على الأصل، وهو مما احتج به على المعتزلة الذين تأثروا بمقالة النصارى، فإنهم لم يقولوا بخلق كلام الله، عز وجل، كله في الشجرة، وإنما قالوا: خلق كلامه لموسى عليه الصلاة والسلام في الشجرة، فلما قرروا ذلك في آحاد الكلام، طردوه في جنسه، فقالوا بخلق كلام الله، وكانت فتنة خلق القرآن شعبة من هذه المقالة المستشنعة، إذ القرآن فرد آخر من أقراد عموم جنس كلام الله، عز وجل، فيجري عليه ما جرى على كلام موسى عليه الصلاة والسلام لئلا يلزمهم: التفريق بين متماثلين فكلاهما كلام، فعلام يخص أحدهما بوصف الخلق دون الآخر؟!!!

والأمر في الآية: أمر تكويني فيه معنى الإهانة بمسخ الخلقة.

يقول أبو السعود رحمه الله: "والمرادُ بالأمر بيانُ سرعةِ التكوين وأنهم صاروا كذلك كما أراده عز وجل". اهـ

وفي التعقيب بالفاء في: "فقلنا": معنى السببية، فالاعتداء سبب المسخ، وفيه أيضا إشارة إلى سرعة حلول العقوبة كما تقدم.

وفي اسم "القردة" الجامد معنى المشتق: "ممسوخين"، ولذلك ساغ القول بأن "خاسئين" حال من الضمير المستكن في الاسم المشتق، كما تقول: هذا حاتم جودا، فـ: "حاتم" علم جامد ولكنه مؤول بمشتق يدل على الكرم، فساغ تحمله الضمير، فيكون ما بعده أيضا: حالا من الضمير المستكن فيه كما أشار إلى ذلك أبو السعود رحمه الله.

فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ:

الجعل في الآية: كوني يتعلق بالربوبية القاهرة، و: "ما بين يديها وما خلفها": عموم مستغرق لما بعد عنها وقرب منها، فهي عبرة للشاهد والغائب.

وموعظة للمتقين: إفراد لهم بالموعظة، فهم الذين ينتقعون بها حقيقة، فإن الكل مشترك في معنى الزجر، فمن لم ينزجر بالآيات الشرعية زجرته الآيات الكونية، ولا يستقل بالموعظة إلا أصحاب القلوب الحية.

والاعتبار بحال الأمم السابقة جار مجرى قياس الطرد والعكس، فمن وافقهم في الجرم، حل به ما حل بهم من البأس، فالمسخ ليس قاصرا على أمة بعينها، إذ الأحكام والعقوبات منوطة بالأوصاف لا الأعيان، ومن خالفهم نجا مما حل بهم من النقمة الربانية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير