تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وكل نقمة ربانية فإنما هي فرع عن شؤم مخالفة الشرعة الإلهية، فإن التقصير في حق الألوهية مظنة المنع من عطاء الربوبية، بل واستحقاق ضده من السخط والانتقام.

فربوبية الجمال لمن أطاع وامتثل، وربوبية الجلال لمن تولى وكفر.

ثم انتقلت الآيات إلى قصة البقرة:

وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ:

إن الله يأمركم أن تذبحوا: إيجاز بالحذف، فتقدير الكلام: بأن تذبحوا بقرة، وفي الإتيان بالمضارع عوضا عن المصدر الصريح إشعار بتأكد الأمر، إذ دلالة الفعل المضارع على الاستمرار مشعرة بذلك.

بقرة: نكرة في سياق الإثبات، فتفيد: الإطلاق، فأي بقرة تفي بالغرض، إذ عموم المطلق بدلي لا شمولي، ولكنهم تعنتوا فكان ما كان من تقييد المطلق حتى وقعوا في الحرج بتعدد المقيدات، فضاقت دائرة الإطلاق حتى عادت لا تتسع إلا لفرد واحد من أفراد المطلق شروه بوزنه ذهبا، وهكذا فليكن التنطع!!!!.

والحرج مرفوع شرعا ولكنه في حق بعض المكلفين من المتنطعين غير مرفوع كونا، وفي التنزيل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ).

وفي حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، مرفوعا: "ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ"

قالوا أتتخذنا هزوا: سوء أدب مع نبيهم صلى الله عليه وسلم، إذ في الاستفهام معنى التوبيخ والتقريع له، ولذلك سارع بنفي هذه التهمة الجائرة فقال: أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين، وفيه إيجاز بالحذف، إذ حذف حرف الجر "من"، وفي ذلك من سرعة الوصول إلى المطلوب ما لا يخفى، وفي الإتيان بالمضارع ما تقدم في: "أن تذبحوا" من التوكيد، و "أل" في الجاهلين: موصولة، فتعلق حكم الاستعاذة المشعر بذم ما استعيذ منه، تعلق بالوصف الذي اشتقت منه صلة "أل"، فالاستعاذة من كل صور الجهل وأعظمها الجهل بحق الرب، جل وعلا، ويهود، الأمة الغضبية أجهل الناس بحق الرب، جل وعلا، من التعظيم، وإن كان كتابهم أصل رسالات بني إسرائيل، ولكنه علم كلا علم، لتخلف العمل بفساد الإرادة.

قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ

قالوا: إيجاز بحذف سؤال دل عليه السياق اقتضاء، تقديره: فماذا قالوا بعد ذلك، كما أشار إلى ذلك أبو السعود رحمه الله.

ادع لنا ربك: سوء أدب آخر، وكأن المدعو هو رب موسى لا ربهم الذي أنجاهم من آل فرعون، فبم امتازوا إذن عن قوم فرعون لما قالوا: (يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ).

يبين: إيجاز بحذف شرط مقدر جزم به المضارع في جواب الطلب، فتقدير الكلام: ادعه إن تدعه يبين.

ما هي: استعلام عن الماهية، لا عين المسؤول عنه، فالمقصود وصفه، كما يقال: ما زيد؟، فالجواب بالوصف، بخلاف من زيد: فالجواب بالشخص.

قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمرُونَ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير