تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قوله تعالى: (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ):

أفتطمعون: استفهام إنكاري إبطالي، فما بعدها لن يقع، إذ إيمان المعاند أمر مستبعد بخلاف إيمان الجاهل، فإنه قد يرجع عن غيه إذا علم الحق، بينما الأول قد علم الحق ثم جحده وأعرض عنه متعمدا.

وفي الكلام إيجاز بالحذف: فتقدر جملة بعد همزة الاستفهام تعطف عليها جملة: "تطمعون ........................ " بالفاء التعقيبية، فتقدير الكلام: أغفلتم عن أمرهم وحقيقة ما في قلوبهم فتطمعون بعد كل ذلك أن يؤمنوا لكم.

وفي الكلام حذف آخر، فتقدير الكلام: أفتطمعون في أن يؤمنوا لكم.

وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ: يَعْلَمُونَ:

قد: حرف تحقيق يفيد التوكيد على وقوع التحريف.

وفي إضافة الكلام إلى الله، عز وجل، إضافة صفة إلى موصوفها، فإضافة الكلام إلى الله، عز وجل، أوقع في النفس، من الإتيان بلفظ: "الكتاب" مجردا عن الإضافة إلى الباري، عز وجل، أو: "التوراة" فإن الجرم يزداد عظما بعظم شأن من ارتكب في حقه، فليس تحريف الكلام المضاف إلى الله، عز وجل، كتحريف أي كلام آخر.

ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون: احتراس عن احتمال كونهم معذورين بالجهل، فقد فعلوا ذلك بعد أن عقلوا كلام الله، عز وجل، وعلموا أنه من عنده حقا، فهم أعلم الناس بصدق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصحة رسالته.

وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ:

وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا: جناس يزيد معنى النفاق والرياء الذي اتصفوا به بيانا، وإيمانهم: إيمان بارد لا حرارة فيه، ولذلك جاء قولهم مجردا من المؤكدات، بخلاف كلامهم مع بعضهم حال الخلوة فهو مصدر باستفهام إنكاري توبيخي، إذ كيف تحدثونهم بما يؤيد صحة مقالتهم، من نعت نبيهم في توراتكم، أليس ذلك تأييدا وتثبيتا لهم وإقامة لحجتهم عليكم مع كونهم أعدى أعدائكم؟!!.

أفلا تعقلون: أذهبت عقولكم حين فعلتم ذلك فأنتم لا تعقلون، ففي الكلام إيجاز بالحذف.

أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ:

أغفلوا عن علم الله، عز وجل، فيهم فلا يعلمون أنه يعلم سرهم وإعلانهم، ففي الكلام أيضا: إيجاز بالحذف، وتقدير الحذف في هذا السياق أولى لكونه تقريعا لهم على سوء ظنهم في الله، عز وجل، فإن من عصى الله، عز وجل، فقد أساء الأدب معه إذ ظن غفلته عنه، وهو المطلع على السر والعلن.

وفي: "لا يعلمون"، و "يعلم": طباق بالسلب يبين الفارق بين فساد علمهم بالله، عز وجل، إذ تجرؤوا على تحريف كلامه وكأنهم لا يعلمون أنه يعلم ما ظهر على فلتات اللسان وبطن في صحائف القلوب.

أن الله يعلم: أبلغ في التوكيد من قولك في غير القرآن: أولا يعلمون علم الله، عز وجل، بما في قلوبهم.

والجملة مؤكدة بـ: "أن"، واسمية الجملة، والفاعل المستتر في: "يعلم"، فيكون الفاعل قد تكرر مرتين: معنويا مذكورا وهو: المبتدأ، لفظ الجلالة: "الله"، ولفظيا مستترا في الفعل: "يعلم".

ما يسرون وما يعلنون: "ما" تفيد العموم، وفي تكرارها توكيد على عموم إحاطة علم الله، عز وجل، بالخلائق، فذلك آكد من قولك: يعلم ما يسرون ويعلنون، فضلا عن استيفاء القسمة العقلية لأحوال العبد فهو ما بين إسرار وإعلان، وفي تقديم الإسرار دلالة على إحاطة علم الله، عز وجل، إذ قدم ما يخفى غالبا على العباد من بواطن غيرهم، ثم ثنى بالعلانية من باب التدرج من الأعلى إلى الأدنى، وفي الكلام: إيجاز بحذف عائد الصلة، فتقدير الكلام: أفلا يعلمون أن الله يعلم ما يسرونه وما يعلنونه.

فلا زال الفساد العلمي طافحا في مقالتهم، فقد ظنوا أن الله، عز وجل، لا يعلم إسرارهم وإعلانهم، وذلك فساد في العلم تفرع عليه: فساد في العمل، فإن من قل تعظيم الرب، جل وعلا، في قلبه، فهان عليه وصفه بما يكره: (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ)، فسدت إرادته، فاستخف بالأمر الإلهي، فالتلازم بين العلم والعمل: الإدراك والإرادة: تلازم وثيق، فمتى صح التصور صح الحكم، ومتى فسد الأول فسد الثاني لزاما، فالحكم على الشيء فرع عن تصوره.

ويهود من أفسد الناس علوما وأضلهم سعيا، فلا علم نافع، ولا عمل صالح، ومن سار على طريقتهم من علماء السوء في زماننا أشبه الناس بهم سمتا، فهمتهم تحصيل مكاسب فانية ورياسات زائلة، يتزلفون إلى سلاطين الجور ليقتبسوا شعبة من دنياهم فمثلهم في عدم الانتفاع بالعلم: (كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ)، ولم نسمع لهم صوتا في الأحداث الأخيرة، ولو من باب ذر الرماد في العيون، وإنما صرفوا أوقاتهم في تلميع القادة والإشادة بحنكتهم السياسية في معالجة الأمور بحكمة باردة!!!، فضلا عن قوافلهم الدعوية التي تجوب البلاد طولا وعرضا: حربا للسنة وأهلها بحجة مكافحة التطرف ونشر الإسلام الوسطي، فتنقض عرى الإسلام باسم الإسلام!!!!.

والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير