ـ[مهاجر]ــــــــ[07 - 01 - 2009, 09:08 ص]ـ
وتستمر الآيات في بيان صفات يهود الأمة الغضبية:
وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ:
فالقصر بأقوى الأساليب: النفي والاستثناء، فعلمهم مقصور على مجرد تلاوة الألفاظ دون فقه المعاني، فإن أقاموه أقاموه حروفا لا حدودا.
وإن هم إلا يظنون: توكيد آخر بالقصر بأقوى أساليبه.
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ:
تعجيل للمساءة بتصدير الآية بذكر: "الويل"، وهي كلمة عذاب.
للذين يكتبون الكتاب بأيديهم: تعليق للحكم على الوصف الذي اشتقت منه جملة الصلة وهي كتابتهم الكتاب بأيديهم، وفي: "يكتبون": إشعار باستمرار هذا الجرم، وهو أمر مشاهد في كل عصر ومصر، فحيث كان رهبان السوء الذين يتأكلون بالكتاب المنزل كان التحريف لفظا أو معنى، ولا زال ذلك مستمرا إلى يوم الناس هذا!!!، وهم سبب خراب الدين والدنيا، إذ خراب الدين خراب للدنيا فالسنة الكونية مطردة في استدراج أهل المعاصي من الأكابر والمترفين بإقرار من علماء السوء الذين يرون صور الشرك والمعاصي فلا يحركون ساكنا خوفا من سلطان أو جمهور، فإذا طال الأذى مآكلهم ومناصبهم انتفضوا دفاعا عنها، فالولاء والبراء لـ: "لقمة العيش"، والشيخ قد صار موظفا ينفذ الأوامر السلطانية بلا نقاش فـ: "اللي يعترض ينطرد" على طريقة المتصوفة مع شيوخهم.
وفي: "يكتبون" و "الكتاب": جناس، إذ مادة الاشتقاق واحدة وهي: "الكتب" بمعنى الجمع، وهو حقيقة في جمع الحروف والكلمات والجمل إلى بعضها، مجاز في جمع المعاني.
"بأيديهم": توكيد على وزان قوله تعالى: (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ)، فالكتابة لا تكون إلا باليد والقول لا يكون إلا بالفم.
"ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا":
فويل لهم: تكرار للمساءة يلائم ما اقترفوه من جرم.
مما كتبت أيديهم: "من": سببية، و "ما" الموصولة: صيغة عموم فهم يستحقون الويل على كل لفظ حرفوا مبناه أو معناه، فالجرم عظيم يستحق تكرار الوعيد قل التحريف أو كثر، وفي الكلام إيجاز بحذف عائد الصلة: "كتبت".
وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ: توكيد ثالث، واللام في: "لهم" للاستحقاق، فهم مستحقول لذلك الوعيد جزاء وفاقا، وفي عطف الكسب على الكتابة عطف: علة على معلولها، فعلة الكتابة: تحصيل المكاسب الدنية والرياسات الفانية.
وفي الكلام أيضا: إيجاز بالحذف، فتقدير الكلام: وويل لهم مما يكسبونه.
والوعيد، وإن كان خبرا محضا، إلا أن معنى الإنشاء فيه معتبر، إذ هو بمنزلة النهي عما اقترفوه، فإن العلم بالوعيد على الجناية أدعى إلى اجتنابها أو الإقلاع عنها. و: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كما قرر الأصوليون، فتعم الآية كل من تكسب بتحريف مباني أو معاني الوحي المنزل أيا كانت ملته أو نحلته.
وقياس الطرد والعكس حاصل في كل وعد ووعيد، فمن سار على طريقتهم في التحريف استحق ما استحقوه من الوعيد طردا، ومن خالف طريقتهم استحق ضد ما استحقوه عكسا.
وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً: استخفاف بالوعيد دل عليه لفظ: "تمسنا"، فالمس أقل درجات الملابسة، وهذا مئنة من عظم جهلهم بالله، عز وجل، فإن من كان بالله أعلم كان منه أخشى وأرهب.
قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ:
قل: مبادرة إلى إبطال مقالتهم.
أتخذتم عند الله: تقديم شبه الجملة من باب تقديم مناط الحكم ومحط الفائدة، فليس الشأن اتخاذَ العهد، وإنما الشأن: اتخاذه عند الله.
¥