تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ: الفاء فصيحة معربة عن شرط محذوف، تقديره: إن كان ذلك صحيحا فلن يخلف الله عهده، ففي الكلام: إيجاز بالحذف، كما أشار إلى ذلك أبو السعود، رحمه الله، و: "لن" تفيد النفي المؤبد في هذا الموضع، لا لأن مادتها تدل على ذلك، وإنما لقرينة خارجية إذ إخلاف العهد نقص يتنزه عنه الباري، عز وجل، بخلاف "لن" في صدر الآية، فإنها لا تدل على النفي المؤبد بدليل الاستثناء، ولو كان الأمر مؤبدا لما احتمل استثناء، فضلا عن أنه دعوى كاذبة جرت على ألسنتهم فالنفي منتقض ابتداء، ولكن قد يرد على ذلك أنه غير منتقض عند المتكلم والعبرة بما في نفسه، فهو يعتقد جزما أن النار لن تمسه إلا أياما معدودة، فجهله: جهل مركب لأنه علم الأمر على خلاف الحقيقة، وقد يكون معاندا يستخدم أقوى أدوات النفي انتصارا لمقالته ولو بدعوى كاذبة كحال كل صاحب دعوى باطلة، فإنه يقسم بأغلظ الأيمان على صحة ما يعلم بطلانه يقينا، ولذلك حسن نقض اعتقاده مباشرة، وأيا كان فـ: "لن" لا تفيد التأبيد باعتبار حقيقة الأمر، فإن ما ادعوه من مس النار لهم أياما معدودة محض دعوى.

أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ: معادل لما تقدم، ففي مقابل اتخاذهم العهد: افتراؤهم على الله، عز وجل، بتقولهم عليه ما لا يعلمون.

و "أم": إما أن تكون متصلة، وإما أن تكون منفصلة فيها معنى الإضراب الإبطالي لما تقدم، فلم يتخذوا عند الله عهدا بل يقولون عليه ما لا يعلمون، وإلى ذلك أشار أبو السعود، رحمه الله، بقوله:

"وأمْ إما متصلةٌ والاستفهام للتقرير المؤدي إلى التبكيت لتحقق العلم بالشق الأخيرِ كأنه قيل: أم لم تتخذوه بل تتقوّلون عليه تعالى، وإما منقطعةٌ والاستفهام لإنكار الاتخاذِ ونفيِه ومعنى بل فيها الإضرابُ والانتقالُ من التوبيخ بالإنكار على اتخاذ العهدِ إلى ما تفيد همزتُها من التوبيخ على التقوُّل على الله سبحانه". اهـ

فمعنى التوبيخ حاصل في كلا التقديرين.

بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ: قد يراد بالسيئة هنا: العهد، فهي سيئة بعينها وهي: الكفر بقرينة: " وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ "، وذلك لا يكون إلا في الكفر، كما أشار إلى ذلك الشيخ السعدي، رحمه الله، والإتيان بلفظ الكسب في مقام تحصيل الضار والكسب لا يكون إلا لنافع: استعارة عنادية تهكمية على وزان قوله تعالى: (فبشِّرْهم بعذاب أليم)، كما أشار إلى ذلك أبو السعود رحمه الله.

فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ:

أولئك: أشارة إلى البعيد تحقيرا لشأنهم، وفي الكلام توكيد بتعريف الجزأين، واسمية الجملة، وضمير الفصل "هم"، وتقديم الجار والمجرور: "فيها" وحقه التأخير.

وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ:

مقابلة مطردة في القرآن بين المتضادات: الإيمان والكفر، الخير والشر، النفع والضر ............... إلخ.

آمنوا وعملوا الصالحات: عطف خاص على عام، تنويها بذكره فيكون قد ذكر مرة في سياق عموم يدل عليه تضمنا، ثم ذكر أخرى في سياق خصوص دل عليه مطابقة، فالعمل من الإيمان، إذ دلالة الإيمان عليه دلالة تضمن، فالإيمان يتضمن: عقد القلب وقول اللسان وعمل الأركان، فيكون الحكم معلقا على وصفين اشتقت منهما: جملة الصلة وما عطف عليها، هما: الإيمان والعمل الصالح، فالإيمان بلا عمل: محض ادعاء، والعمل بلا إيمان: محض نفاق، فلا بد من تجريد النية وصلاح العمل، وفي التنزيل: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا).

أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ: فيها من المؤكدات ما في: فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ.

وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ: خبر أريد به الإنشاء، إشعارا بلزوم الامتثال، فتقدير الكلام: لا تعبدوا إلا الله نهيا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير