تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا: تقديم ما حقه التأخير عناية بأمره، وفي الكلام إيجاز بحذف العامل فتقدير الكلام: وارفقوا بالوالدين، فيكون الإحسان قد ضمن معنى الرفق.

وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ: نص على أصحاب الحقوق تدرجا من الأعلى إلى الأدنى.

وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا: أي قولا حسنا، فوصفه بالمصدر توكيدا على طريقة: جاء زيد ركضا إشارة إلى شدة ركضه.

وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ: تفصيل لحق الله، عز وجل، من العبادات، يناسب سياق الميثاق، فالميثاق يكون مفصِلا لمجمل العقائد والشرائع.

ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ: قطع لعذرهم بالجهل فقد علموا ثم أعرضوا وذلك أقبح من الإعراض ابتداء.

وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ:

تكرار لذكر الميثاق توكيدا وتنويها بعظم شأنه، و: "لا تسفكون دماءكم" و: "لا تخرجون أنفسكم": خبران أريد بهما الإنشاء وذلك متوائم مع ما تقدم في صدر الميثاق فهو بمنزلة عطف النظير على نظيره.

أنفسكم: أي غيركم من أبناء ملتكم، وإنما جيء بلفظ: "النفس" إشعارا بعظم الجرم فإن من اعتدى على أبناء جلدته بالقتل والتشريد، وأسلمهم إلى عدوهم فذنبه أعظم وجرمه أفحش، ولنا في: غزة" اليوم خير شاهد على ذلك فإن التعدي على الغير، ولو كان غير مسلم بلا وجه حق: ظلم نهى الشارع، عز وجل، عنه، فكيف إذا كان المعتدى عليه: مسلما، فكيف إذا شارك المسلم في حصار أخيه انتصارا لبني يهود، وكيف إذا كان في قرارة نفسه يتمنى هزيمة أخيه واندحاره، فيكون شريكا بالقوة والفعل!!!، فهو على أخيه قلبا وسيفا.

ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ:

خطاب للحاضرين بما ارتكبه السابقون توبيخا لهم إذ المتابعة مئنة من الرضا.

"أنتم هؤلاء": في الإشارة إليهم مزيد توكيد لذمهم، إذ هم المعنيون لا غيرهم بذلك.

"تقتلون أنفسكم": جواب لسؤال مقدر، فكأنهم لما توجه إليهم الخطاب بالضمير واسم الإشارة، سارعوا بالاستفهام: كيف نحن؟، فجاء الجواب: أنتم تقتلون أنفسكم ............. إلخ كما أشار إلى ذلك أبو السعود رحمه الله.

وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ:

إطناب في تعداد جرائمهم يناسب سياق الذم، فتعداد الجرائم مظنة تقريع المذنب.

وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ: تعجب من حالهم فهم الذين تسببوا في وقوع المصيبة ابتداء ثم هم هؤلاء يصلحون ما أفسدته أيديهم، أفما كان الأولى بهم دفع الأمر قبل أن يضطروا إلى رفعه، فالدفع أولى من الرفع، والوقاية خير من العلاج.

أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ: استفهام إنكاري توبيخي، وفي السياق إيجاز بالحذف فتقدير الكلام: أفتفرقون بين المتماثلين فتؤمنون ببعض وتكفرون ببعض، وكل من عند الله؟!!.

والتنوين في "بعض": تنوين عوض تفاديا للتكرار، فتقدير الكلام: أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض الكتاب.

فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ:

قصر بأقوى أساليبه: النفي والاستثناء، والوعيد عام في الدنيا والآخرة، في مقابل وعد المؤمنين بالنصر في الدنيا والفوز في الآخرة مصداق قوله تعالى: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ).

وفي تنكير "الخزي": مئنة من عظمه.

وفي: "يردون": التفات من الخطاب إلى الغيبة، فتقدير الكلام على الخطاب: ويوم القيامة تردون إلى أشد العذاب، فالتفت إلى الغيبة إهمالا لشأنهم، وفي مجيء صيغة الجمع: "يردون" بعد صيغة المفرد: "من يفعل ذلك": تنويع إذ راعى لفظ "من" مرة فأفرد، وراعى معناها أخرى فجمع.

وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ: توكيد بالباء التي دخلت على خبر "ما" النافية، وفي: تعملون": إيجاز بحذف عائد الصلة.

أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ: إشارة إليهم بالبعيد تحقيرا لشأنهم، وفي "اشتروا": استعارة تصريحية تبعية إذ استعار معنى الشراء للاستبدال، وجاء اللفظ على صيغة الفعل المشتق فكانت الاستعارة تبعية من هذا الوجه.

فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ: الفاء سببية، فتفرع على صفقتهم الخاسرة وتجارتهم البائرة في الدنيا أنهم: لا يخفف عنهم العذاب، وذيل ذلك بمعنى متمم: (ولا هم ينصرون)، إيغالا في تيئيسهم، وأكد بضمير الفصل "هم". وقد يقال بأن العطف في هذا السياق: عطف عام على خاص، فتخفيف العذاب فرد من أفراد عموم النصرة، فنفى الأخص ثم أتبعه بنفي الأعم إمعانا في مساءتهم فليس لهم أي حظ من النصرة في الآخرة، وذلك لعمر الله: الخسران المبين.

والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير