تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولا يلجأ المسلمون إلى إزالة دور عبادات غيرهم إلا لمصلحة شرعية راجحة، فليس مرادهم التعدي ابتداء، وإنما حفظ جناب الدين وصيانة أركان الملة كما حدث في هدم تمثال بوذا في بلاد الأفغان أوائل القرن الحالي، إذ صار فتنة لضعاف النفوس من المسلمين ممن جاوروه ممن قل علمهم، فكانت المصلحة الشرعية بحفظ الدين أول الضرورات الخمس، مقدمة على أي مصلحة أخرى.

أن يذكر: بدل مقصود أصالة بالحكم، فالمبدل منه: "المسجد": جيء به توطئة إلى البدل، ففي الكلام نوع تفصيل بعد إجمال، وكأن الآية تشير إلى المقصود أصالة من المساجد وهو ذكر الله، عز وجل، الذي شرعه على ألسنة رسله عليهم الصلاة والسلام، وإلا فالمنع من المسجد نفسه، ليس مقصودا لذاته، فهو كغيره من الأبنية من جهة مادة البناء، فتخصيصه بالمنع إنما هو لمنع ما يؤدى فيه من صنوف العبادات، ولذلك استحق فاعل ذلك المذمة.

وفي الكلام إيجاز بالحذف، على تقدير آخر غير البدلية، يكون فيه تقدير الكلام: كراهية أن يذكر فيها اسمه، فحذف المفعول لأجله لدلالة السياق عليه، فلن يرتكبوا ذلك الجرم إلا كراهية ذكر الله عز وجل.

وفيه إيجاز بالحذف أيضا على تقدير جار محذوف، فيكون تقدير الكلام: من أن يذكر فيها اسمه.

وإلى كلا الوجهين من الحذف أشار القرطبي، رحمه الله، بقوله:

"و: "أن" في موضع نصب على البدل من "مساجد ويجوز أن يكون التقدير: كراهية أن يذكر، ثم حذف.

ويجوز أن يكون التقدير: من أن يذكر فيها، وحرف الخفض يحذف مع "أن" لطول الكلام". اهـ

"الجامع لأحكام القرآن"، (2/ 67).

والمساجد قيل هي مساجد بعينها فيكون معنى العهد فيها مرادا، فهي: بيت المقدس، كما تقدم، أو الكعبة ويكون وجه الجمع في هذا الوجه مع كون الكعبة بناية مفردة: التعظيم لأنها قبلة المساجد كما أشار إلى ذلك القرطبي رحمه الله.

والإضافة إلى الله، عز وجل، إضافة تشريف، على وزان قوله تعالى: (ناقة الله).

وقال بعض أهل العلم: الإضافة دليل العموم، فتعم الآية كل المساجد لا مساجد بعينها، وهذا أبلغ في المعنى إذ العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب، فيكون ذكر مساجد بعينها من باب التمثيل للعام بذكر أحد أفراده لتقريب المعنى إلى ذهن السامع، فلا يخصص هذا المثال: العام الذي يشمله وبقية الأفراد، فلو استدل مستدل بهذه الآية في زماننا على إغلاق بعض الظلمة مسجدا أو على منعهم نشاطا محمودا يقام فيه من: صلاة أو درس علم، أو حلقة تلاوة ............. إلخ، كما هو مشاهد في كثير من بلاد العالم الإسلامي الآن حتى وصل الأمر إلى هدم بعض المساجد كما حدث قريبا في بلاد فارس التي يطارد فيها أهل السنة، وكما وقع في إحدى جمهوريات الكتلة السوفييتية البائدة، لو استدل بهذه الآية لصح استدلاله، فلا يقال بأن الآية قد نزلت في مسجد بعينه، أو أن استشهادك بها على واقعة معينة تخصيص لعمومها، بل العموم يشملها ويشمل غيرها، وهذا أصل مطرد في كل نصوص الكتاب العزيز، وبه تتسع دائرة الاستدلال، وتكتسب المعاني حيوية تجعلها صالحة للاستدلال في كل عصر ومصر.

وسعى في خرابها: جرم بعد جرم، فلم يكتفوا بالمنع حتى شرعوا في الإزالة.

أولئك: إشارة لهم بالبعد تحقيرا من شأنهم.

ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين: قصر حقيقي بأقوى أدوات القصر: "النفي" و "الاستثناء"، وفي الإتيان بصيغة المضارع: "أن يدخلوها"، إشعار بدوام تلبسهم بذلك الخوف فهو أبلغ من جهة الدلالة الزمانية المستمرة من المصدر الذي يسبك من "أن" ومدخولها.

لهم في الدنيا خزي: تقديم ما حقه التأخير مشعر بالحصر والتوكيد، وتنكير "الخزي": للتعظيم فلهم خزي عظيم في الدنيا.

ولهم في الآخرة عذاب عظيم: إطناب في ذكر وعيدهم زيادة في المساءة، فذكر عقوبتهم العاجلة في الدنيا، ثم أتبعها بذكر عقوبتهم الآجلة في الآخرة، فاستوفى بذلك شطري القسمة الثنائية: الدنيا والآخرة، وقدم هنا، أيضا: متعلق الخبر "له": حصرا وتوكيدا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير