تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[14 - 01 - 2009, 02:29 م]ـ

ومن قوله تعالى: (وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ):

وقالوا: أي: وقالت النصارى المسيح ابن الله، وقالت اليهود: عزير ابن الله، وقال مشركو العرب: الملائكة بنات الله ............. إلخ من المقالات المستشنعة التي تنزه الباري، عز وجل، عنها، فأضمر ذكرهم في: "وقالوا" ليعم الضمير كل من قال بجنس تلك المقالة، وليحقر من شأنهم، فهم لا يستحقون مجرد الذكر، على وزان قوله تعالى: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ)، فأعرض عن ذكرها تصغيرا لها في مقام المعصية.

اتخذ الله ولدا: الاتخاذ مئنة من التكلف، وذلك أقبح وأقبح، فلم يكتفوا بوصفه بنقص الولد بل جعلوا ذلك أمرا عسيرا ينال بمشقة، والله، عز وجل، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ولو: (أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ)، والآية إنما سيقت مساق الفرض العقلي الجدلي، فلا يلزم من ذلك جوازها في نفس الأمر، إذ الافتراضات الذهنية مما يتوسع فيه، فقد يتصور العقل أمورا محالة لذاتها لا وجود لها خارج الذهن أصلا من قبيل قوله تعالى: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ)، فكذلك اتخاذ الولد: محال لذاته على الله، عز وجل، لما فيه من معنى النقص الذاتي الذي لا ينفك عنه، والباري، عز وجل، منزه عن كل نقص متصف بكل كمال.

سبحانه: تنزيه للباري، عز وجل، عن مقالتهم، والمقام يستلزم ذلك، فيكون التعقيب بالتنزيه من باب المسارعة في دحض وإبطال مقالتهم، فلا فاصل بين الدعوى والرد القاطع ببطلانها، فهي مجرد دعوى لا مستند لها من نقل صحيح أو فطرة مستقيمة أو عقل صريح.

بل: إضراب آخر بذكر نقيض ما وصفوه به، جل وعلا، من النقص المطلق، فمقابله الكمال المطلق فـ: له ما في السماوات والأرض مِلكا ومُلكا، فهو مالك الأعيان وخالق فِعالها، لا يخرج عن أمره التكويني شيء، قد أحاط بكل شيء علما وقدرة، فهو: (عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) إثباتا، و: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ) نفيا، وهو المستحق لـ: الثناء المطلق بوصف الكمال إيجابا، ولـ: التنزيه المطلق عن وصف النقصان سلبا، قد اتصف بوصف الكمال: جلالا وجمالا، فكل كمال في خلقه فرع على كماله، وتنزه عن النقص: أزلا وأبدا، فلا يعتريه نقص ولا تأخذه سنة ولا نوم، ولا يكتسب كمالا كان معطلا عنه فهو الكامل بأسمائه وصفاته وأفعاله أزلا وأبدا، فما حاجة من ذلك وصفه إلى ولد من جنسه، وهو المتفرد بوصفه، الغني بذاته، فكل ما عداه مخلوق مربوب، مفتقر إلى عطاء ربوبيته، فهل يتخذ الكامل من الناقص ولدا، وهل يحتاج الغني بذاته المغني لغيره إلى الفقير ليسد حاجته؟!!.

وفي تقديم الجار والمجرور: حصر وتوكيد مع ما لـ: "لام": "له" من معنى الملكية والاستحقاق، فضلا عن عموم "ما" الموصولة، فكل ما في السماوات والأرض من المخلوقات خاضع لأمره الكوني وقضائه الأزلي.

و "أل" في: "السماوات" و "الأرض": جنسية استغراقية لعموم ما دخلت عليه، فكل الكائنات في كل الجهات تحت سلطان وقهر ربوبيته، فكيف يفتقر إلى اتخاذ صاحبة أو ولد منها؟!!، ألا ينقض ذلك وصف الغنى: أخص أوصاف ربوبيته؟!!!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير