تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد يقال بأن ذكرهما من قبيل: ذكر بعض أفراد العام على سبيل التمثيل، فلا يخص حكم الآية اليهود والنصارى، وإنما يعم كل ملة مخالفة لملة الإسلام، بل كل نحلة مخالفة لنحلة أهل السنة، فلن يرضى عنا دعاة التقريب بين الملل والنحل حتى ندع ملتنا أو نحلتنا إلى ملتهم أو نحلتهم.

قل إن هدى الله هو الهدى:

أمر فيه معنى الإضراب بإبطال ما تقدم، وفي السياق توكيد بـ:

"إن"، وتعريف الجزأين، وضمير الفصل، واسمية الجملة، وأل في "الهدى": جنسية استغراقية لعموم ما دخلت عليه، فالهدى كل الهدى هو هدى الله عز وجل.

ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم:

قسم محذوف دلت عليه اللام الموطئة في "لئن"، فتقدير الكلام: والله لئن، ففي الكلام: إيجاز بالحذف، وفيه تحذير بالقسم المؤكد والشرط الذي سيق مساق الإنذار، فهو خبري المبنى طلبى المعنى، فمعناه: لا تتبع أهوائهم من بعد ما جاءك من العلم لئلا يلحقك الوعيد فما لك حينئذ من الله من ولي ولا نصير، وقال بعض أهل العلم: الخطاب للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إعلاما بوصفه المبلغ عن ربه، ولأمته إلزاما، فهي المقصودة أصالة بالخطاب، فلا يتصور أن يترك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ملته ليتبع ملة اليهود والنصارى وما بعث إلا ناسخا لهما ناقضا لما ابتدعه الأحبار والرهبان فيهما، وقال بعض آخر: لا يلزم من ورود الشرط جوازه، فضلا عن وجوبه، كما في قوله تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، والشرك في حق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من: المستحيل الذاتي، وإنما سيق أيضا، مساق التحذير والوعيد لأممهم إن أشركوا، وقوله تعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ)، وذلك أيضا من المستحيل الذاتي، فالله، عز وجل، واحد في ذاته، أحد في صفاته، صمد لم يلد ولم يولد، وإنما هو من قبيل: التنزل مع المخالف.

و "العلم": عام أريد به خاص، فالمقصود به في هذا السياق: القرآن فهو من علم الله، عز وجل، وهو أخص من "العلم".

ما لك من الله: تقديم: "من الله" توكيدا، فتقدير الكلام: مالك من ولي ولا نصير من الله، وأكد المعنى بـ: "من": التي زيدت في سياق نفي زيادة في معناه، فهي أبلغ في نفي الولي من: ما لك من الله ولي.

من ولي ولا نصير: إطناب بنفي أي معين سواء أكان وليا يدفع لقرابة وحمية، أو نصيرا يدفع لمصلحة عارضة، فالولي أخص من النصير، إذ كل ولي نصير ولا عكس، فبينهما: عموم وخصوص وجهي، والعطف فيهما على هذا التأويل: عطف عام على خاص، فذكر الخاص ابتداء لأنه مظنة الدفع والنصرة، ثم ثني بالعام لقطع احتمال أي نصرة من أي أحد سواء أكان قريبا أم بعيدا، ومثله قوله تعالى: (فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ)، ولكن العطف هنا وإن استوفى أركان القسمة العقلية للنصرة فهي، كما تقدم، إما أن تكون من قريب أو بعيد، إلا أنه عكس العطف في آية البقرة، فهو عطف خاص على عام، فالشافع أعم من الصديق، ونفي العام لا يستلزم نفي الخاص، فأفرد الخاص وهو الصديق بالنفي إمعانا في تيئيس الكافر، وإلى طرف من ذلك أشار الزمخشري رحمه الله وعفا عنه، بقوله: "فإن قلت: لم جمع الشافع ووحد الصديق؟ قلت: لكثرة الشفعاء في العادة وقلة الصديق. ألا ترى أن الرجل إذا امتحن بإرهاق ظالم نهضت جماعة وافرة من أهل بلده لشفاعته، رحمة له وحسبة، وإن لم يسبق له بأكثرهم معرفة. وأما الصديق - وهو الصادق في ودادك الذي يهمه ما أهمك - فأعز من بيض الأنوق". اهـ

وقال بعض أهل العلم: إن مثل هذه السياقات، وإن استحالت في حق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، إلا أنها تورد إيراد بيان مقادير الأعمال فهي بمنزلة النص على وعيد جرم بعينه بغض النظر عن فاعله، فعمومها معلق بالوصف لا بالشخص، ولذلك صحت مخاطبة الأنبياء بها، مع استحالة وقوعهم في ذلك الجرم لمكان عصمتهم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير