تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وإذا توجه التحذير إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإنه موجه إلى من هو دونه في المنزلة من باب أولى، والواقع شاهد بأن آكد أسباب فساد هذه الأمة هو ما اقتبسته من شعب الفساد العلمي والعملي من يهود ومن أضلوه من النصارى، فصار المسلمون أذنابا لهم، حماة لمصالحهم، بل حراسا لحدودهم، فضيقوا على الموحدين مصانعة للمشركين، فآثروا العاجلة على الآجلة، ولسان حالهم تصديق وعد واشنطن وتل أبيب وتكذيب وعد الله عز وجل!!!!

الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ: الذين آتيناهم الكتاب: تعليق للحكم بوصف تلقي الكتاب المنزل فهو مظنة الاهتداء، و "أل" في "الكتاب" عهدية تشير إلى كتاب بعينه سواء أكان القرآن أم التوراة أم الإنجيل، على خلاف بين المفسرين، أو هي: جنسية استغراقية فتعم جنس الكتب المنزلة، كما أشار القرطبي، رحمه الله، إلى طرف من ذلك، وهذا أقرب لأن حمل ألفاظ العموم على عمومها حتى يرد المخصص المعتبر هو الأصل، فلا يعدل عن العام إلا لخاص يقضي عليه، إذ الخاص أقوى في الدلالة من العام كما قرر أهل الأصول.

يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ: فذاك الظن بمن أوتي علم الكتاب، وقد يقال بأن ذلك إنما هو باعتبار المتوقع لا الواقع، فكثير ممن أوتي الكتاب من أتباع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يصدق فيهم قوله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)، وعلماء السوء، وما أكثرهم في زماننا ولعل نازلة غزة الحالية قد كشفت النقاب عن تخاذل ومداهنة كثير منهم، أولئك: ممن يشملهم عموم هذه الآية، فيكون عموم "الذين" مخصوصا بواقع الحال المزري، أو يكون قوله: (الذين آتيناهم): حقيقة بالأفعال لا مجرد تلقٍ للوحي بالأسماع، فهم المتبعون لما تلي على أسماعهم من آيات الكتاب المنزل.

أولئك يؤمنون به: إشارة البعيد تدل على علو منزلتهم فهم أهل لذلك بأخذههم بأسباب العلو في الدنيا والآخرة مصداق قوله تعالى: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)، وقوله تعالى: (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ).

ومن يكفر به فأولئك: شرط سيق مساق التهديد والوعيد فأفاد بمنطوقه خبرا وبمفهومه أمرا، إذ فيه النهي عن نبذ الكتاب المنزل وترك العلم بأحكامه فإن ذلك مظنة الخسران.

وأولئك: اسم إشارة للبعيد يدل على دنو منزلتهم فهم أهل لذلك بهجرهم الكتاب المنزل سبب الرفعة في الدنيا والآخرة، فهم على النقيض من الأولين، فأولئك اتبعوه وهؤلاء هجروه، ففي السياق نوع مقابلة يظهر الفرق بين كلا الطائفتين.

وفي قوله تعالى: (وأولئك هم الخاسرون): توكيد باسمية الجملة وتعريف الجزأين وضمير الفصل.

يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (122) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ:

يا بني إسرائيل: نداء بالبعيد مشعر بغفلتهم وفي نسبتهم إلى أبيهم "إسرائيل": نوع إيناس وتلطف معهم في الخطاب مع عظم جرمهم.

نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ: إطناب في مقام الامتنان فنعمة الله، عز وجل، لا تكون إلا منه، فهو ولي النعم والرحمات الدينية والدنيوية، ولكنه قيدها بجملة النعت: "التي أنعمت عليكم" إمعانا في البيان والتوضيح، و "نعمتي": أضيف فيها المفرد: "نعمة" إلى ياء المتكلم فأفاد العموم، فهي مفردة في اللفظ جمع في المعنى.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير