وأني فضلتكم على العالمين: خصوص بعد عموم، فتفضيلهم فرد من أفراد جنس النعمة التي أنعم الله، عز وجل، بها عليهم، وفي ذلك من التوكيد على معنى المنة من الله، عز وجل، عليهم ما فيه، والإتيان بـ: "أن" المؤكدة ومعمولها أبلغ في تقرير هذا التوكيد من الإتيان بالمصدر الصريح: وتفضيلي إياكم على العالمين، على وزان قوله تعالى: (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ)، وقوله تعالى: (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ)، وقوله تعالى: (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ:
يوما: تنكير للتعظيم خص بنعت: "لا تجزي نفس عن نفس"، و "نفس": نكرة في سياق النفي تفيد العموم فلا تجزي يومئذ أي نفس عن أي نفس شيئا.
ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة: نكرات أخرى في سياق النفي تفيد العموم، فيقال في نفي الشفاعة في هذا السياق: نفي العموم إما أن يكون في حق الكافرين، فالشفاعة في حقهم منتفية، مصداق قوله تعالى: (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ)، فيكون السياق من العموم الذي أريد به الخصوص وهو: الشفاعة للكافرين خاصة لا عموم الشفاعة فإن من أفرادها ما هو ثابت بالدليل الصحيح الصريح، كالشفاعة لعصاة الموحدين من أصحاب الكبائر.
ولا هم ينصرون: الضمير "هم": مؤكد، و عطف النصرة على الشفاعة في سياق النفي من عطف العام على الخاص، إذ النصرة قد تكون بالشفاعة وقد تكون بغيرها، فلما نفى الشفاعة خصوصا أردف بنفي النصرة عموما قطعا لأي أمل في نجاتهم وفي ذلك من التيئيس والتنكيد ما فيه
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[25 - 01 - 2009, 08:10 ص]ـ
قوله تعالى: (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)
ومن يرغب: استفهام إنكاري توبيخي فيه معنى النفي، فلا يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه. فالنفي مع الاستثناء: قصر، وهو قصر حقيقي، فإن العدول عن ملة التوحيد تسفيه للنفس وحط من شأنها، فالشرك أعظم ظلم للنفس.
وفي السياق: محذوف لازم للمذكور، فإن من رغب عن ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، راغب إلى غيرها لا محالة، فإن التوحيد والشرك: متناقضان لا يجتمعان ولا يرتفعان، فإما توحيد وإما شرك. واعتبر بحال يهود: عباد العجل، لما عدلوا عن توحيد المعبود، جل وعلا، وحدوا عجلا جسدا له خوار!!!، واعتبر بحال النصارى لما عدلوا عن توحيد المعبود بأوصاف الكمال: جلالا وجمالا، وصفوه بما لم يصفه به أحد من العالمين من النقص والحاجة، فلا تعرف مقالة أفسد من مقالتهم في الإلهيات، اللهم إلا مقالة الاتحادية، فهي أفحش وأفحش، وإن كانت عند التحقيق، شعبة من مقالة النصارى زاد فيها قائلها ما زاد من الكفر والإلحاد.
فيكون تقدير الكلام: ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلى غيرها.
سفه: ضمن معنى جهل، فيكون في السياق: إيجاز بالحذف، على تقدير: إلا من جهل أمر نفسه، فحذف المضاف "أمر" وأقام المضاف إليه: "نفسه" مقامه. وهذا اختيار الزجاج رحمه الله.
وقال بعض أهل العلم: إلا من أهلك نفسه.
ولقد اصطفيناه: توكيد باللام وقد.
في الدنيا وإنه في الآخرة: حصر لاحتمالات القسمة العقلية، فإنه محمود البداية، محمود النهاية، وفي التنزيل: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ).
¥