تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لمن الصالحين: إيجاز بحذف مقدر دل عليه المذكور، إذ: "أل" الموصولة في "الصالحين": لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، فلا يقال بأن معمول الصلة هو: "في الآخرة" المتقدم، وإنما يقال: تقدير الكلام: وإنه في الآخرة لمن الصالحين في الآخرة، فحذف الثاني المتأخر لدلالة الأول المتقدم عليه، إذ هو بمنزلة العوض، ولا يجمع بين العوض والمعوض منه، إذ في ذلك تكرار معيب، ففي الآية: إيجاز بالحذف بالنظر إلى سياقها، توكيد بالتكرار بالنظر إلى المقدر المحذوف.

والسياق مؤكد بـ: إن، واللام المزحلقة في: "لمن"، واسمية الجملة، فضلا عن التوكيد بتقدير المحذوف المكرر كما تقدم، وفي حشد تلك المؤكدات مزيد عناية بالخليل عليه الصلاة والسلام وتنويه بذكره.

إذ قال له ربه أسلم:

علة ما قبلها فهو من الصالحين لسرعة وتمام انقياده لرب العالمين.

أسلم: تحتمل التعدي فيكون في الكلام: إيجاز بحذف المعمول على تقدير: أسلم وجهك أو قلبك .......... إلخ، وتحتمل اللزوم، فيكون في الكلام: إيجاز بحذف جار ومجرور على تقدير: استسلم لرب العالمين، والسياق يحتمل كليهما، وإن كان يشهد للثاني، بقرينة: (قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)، فهي على تأويل: استسلمت لرب العالمين، فتعدى اللازم بلام الاستحقاق، إذ لا يستحق تمام الاستسلام إلا رب العالمين جل وعلا.

قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ: تنبيه على علة الاستسلام، فهو الرب: الخالق البارئ المصور الملك المدبر الرزاق المحيي المميت .............. إلخ من أوصاف الربوبية، فاستحق ألوهية الاستسلام والانقياد فرعا على كمال ربوبيته جل وعلا.

قوله تعالى: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

ووصى: زيادة في المبنى بالتضعيف تدل على زيادة في المعنى بالتكرار والتوكيد، فهي أبلغ في بيان عظم شأن الموصى به من "أوصى"، وأي شأن أعظم من شأن التوحيد.

"بنيه" و "يا بني": جناس لتلوين الخطاب، فتقدير الكلام: ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب بنيه، ولكن كراهة التكرير، ذكر خطاب يعقوب لبنيه بصيغة النداء.

يا بني: "يا": لنداء البعيد تنبيها، وبني: استمالة لهم بذكر صلة القرابة التي تحمل الأب على العطف على بنيه.

إن الله اصطفى: توكيد بـ: "إن"، واسمية الجملة، وتكرار الفاعل: المبتدأ المذكور لفظ الجلالة: "الله" فهو فاعل في المعنى، والفاعل اللفظي المستتر في "اصطفى". فلا مشرع إلا الله، فهو الذي يصطفي ما شاء من العلوم والأعمال لعباده، فهو الذي خلقهم، ومن خلق أعلم بخلقه، مصداق قوله تعالى: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)، فالاستفهام تقريري إذ دخول همزة الاستفهام على النفي بـ: "لا" بمنزلة النفي له، ونفي النفي إثبات، فهو الذي علم فخلق فجاء خلقه موافقا لعلمه، وعلمه قد أحاط بكل المعلومات: دقيقها وجليلها، والتذييل باسمي: اللطيف والخبير، مئنة من إحاطة علمه بكل المعلومات، إذ من أحاط علما بالدقائق، فهو بالعظائم أعلم، من باب أولى، فيكون في السياق: تنبيه بالأعلى على الأدنى، وذلك من القياس الأولوي الجائز في حق الله، عز وجل، فهو الأولى بإثبات كل كمال مطلق، وهو الأولى بنفي كل نقص أو عيب. فمبنى الأمر على: الثناء بكل كمال والتنزيه عن كل عيب أو نقيصة.

الدين: عام أريد به خصوص دين الإسلام، بمعناه العام، فـ "أل" فيه: عهدية كما أشار إلى ذلك القرطبي رحمه الله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير