تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والآية نص في اتباع طريقة الصدر: خير طباق الأمة، فالسير على طريقتهم في الأصول والفروع مظنة الاهتداء والنجاة.

وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ: خبر أريد به إنشاء الوعيد المعلق على شرط التولي عن الإيمان بالله عز وجل.

فإنما هم في شقاق: توكيد بـ: "إنما": الحاصرة، ونكر "شقاق": تعظيما.

فسيكفيكهم الله: تعجيل بالوعد دلت عليه السين، وجرى على الأصل في اتصال الضمير وإن جاز انفصاله، فيجوز في غير التنزيل: فسيكفيك الله إياهم، فقدم المفعول الثاني لما اتصل وجوبا، وتقديم المفعول مشعر بنوع حصر وتوكيد فضلا عن وجوبه في هذه الصورة من جهة الصناعة النحوية.

وهو السميع العليم: تذييل يناسب المقام، فالسمع: سمع تأييد للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وسمع تهديد للمشركين، وهو العليم، فإحاطة سمعه بكل الأصوات مئنة من إحاطة علمه بكل المعلومات.

قوله تعالى: (وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135) قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)

كونوا هودا أو نصارى: كونا شرعيا، فهم في مقام الترويج لمقالتهم فيدعون النجاة والاهتداء لمن سار عليها.

تهتدوا: إيجاز بالحذف انتقالا إلى محط الفائدة: "تهتدوا"، ففي الكلام: شرط محذوف، فتقدير الكلام: إن تكونوا هودا أو نصارى ..............

قل: رد على قولهم فالجناس هنا يزيد الرد قوة.

بل ملة: إضراب إبطالي لما قبله، وفي الكلام إيجاز بالحذف، فيقدر عامل لـ: "ملة"، ويقدر شرط محذوف أيضا في مقابل شرطهم، فتقدير الكلام: بل اتبعوا ملة إبراهيم حنيفا، إن تتبعوا ملته تهتدوا.

وقوله تعالى: (وما كان من المشركين): عطف لازم على ملزومه، فالميل إلى التوحيد لازمه الميل عن الشرك، فالحنيف مائل إلى الحق، مائل عن الباطل.

قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ:

بيان لإجمال ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام.

وما أنزل إلينا: عطف بلا إعادة للجار لدلالة السياق على ذلك.

وما أنزل إلينا: من الإسلام الخاص.

وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ: من الإسلام العام، فالْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ

وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ: موسى وعيسى: خاص، عطف عليه عام: "النبيون".

لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ: نفي تسلط على المصدر الكامن في "نفرق"، فلا تفريق بين أحد من رسل الله عليهم الصلاة والسلام.

وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ: تقديم ما حقه التأخير حصرا وتوكيدا كما تقدم.

صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ:

إيجاز بحذف عامل "صبغة"، فتقدير الكلام: الزموا صبغة الله، وقال الأخفش رحمه الله: هي بدل من "ملة"، فتكون من باب البيان بعد الإجمال، إذ البدل هو المقصود بالحكم أصالة وإنما سيق المبدل منه توطئة له.

ومن أحسن من الله صبغة: استفهام إنكاري إبطالي فلا أحد أحسن صبغة من الله عز وجل.

ونحن له عابدون: تقديم ما حقه التأخير، ووصف العبودية ملائم لسياق بيان حسن الصبغة الإلهية والشرعة الربانية، فعبودية الله، عز وجل، لازم الإقرار بكمال صبغته وإحكام شرعته.

قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ: استفهام إنكاري توبيخي فقد حاجوا المسلمين في الله، عز وجل، بالفعل.

وفي الكلام إيجاز بالحذف على تقدير: أتحاجوننا في دين الله، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه إشعارا بعظم الأمر وخطر الشأن إذ تعلق الفعل بالله عز وجل، كما يضاف الرسول إلى مرسله عناية به وبيانا لمكانته، فمكانة الرسول من مكانة مرسله، ومكانة الدين من مكانه مشرعه.

وهو ربنا وربكم: جناس ومقابلة بين ضمير المتكلم وضمير المخاطب، وفي العطف حصر لاحتمالات القسمة العقلية، فهو ربنا وربكم، رب المتكلم ورب المخاطب ربوبية عامة تعم المؤمن والكافر.

وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ: تقديم ما حقه التأخير واللام للاختصاص، وفي السياق: جناس ومقابلة بين ضمير المتكلم وضمير المخاطب كمل تقدم.

وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ: تقديم ما حقه التأخير، وفيه تعريض بالمخالف: فنحن مسلمون وأنتم معرضون كما أشار إلى ذلك القرطبي رحمه الله.

أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى:

إضراب بـ: "أم" المنقطعة، فتقدير الكلام: بل أتقولون إن إبراهيم .......... ، وفي الاستفهام إنكار وتوبيخ فقد ادعوا ذلك فعلا.

قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ: استفهام إنكاري.

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ: استفهام يفيد النفي والإبطال.

وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ: الباء في "بغافل": تزيد المعنى فرعا على زيادة المبنى، وفي الكلام إيجاز بحذف عائد الصلة.

تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ: تذييل يناسب المقام، فيه معنى التوكيد على مضمونه بتكراره.

يقول القرطبي رحمه الله: "كررها لأنها تضمنت معنى التهديد والتخويف، أي إذا كان أولئك الأنبياء على إمامتهم وفضلهم يجازون بكسبهم فأنتم أحرى، فوجب التأكيد، فلذلك كررها". اهـ

"الجامع لأحكام القرآن"، (2/ 131).

والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير