ـ[مهاجر]ــــــــ[06 - 02 - 2009, 07:37 ص]ـ
قوله تعالى: (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)
سيقول: مبادرة إلى إثارة الشبهات وهذه سنة أهل الكتاب مذ بعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإلى يوم الناس هذا، وذلك عند التحقيق: دأب كل مبطل إذ الإعراض عن المحكمات وتتبع المتشابهات طريقة الذين في قلوبهم زيغ.
السفهاء: عام أريد به خاص، إن حمل على اليهود كما أثر ذلك عن مجاهد رحمه الله.
ووصف السفه هو علة مسارعتهم إلى ذلك، فليس المراد من الاسم: مسمى بعينه، بل المقصود: بيان وصفه، فيعم من جهة المعنى: كل من أراد إثارة شبهة طعنا في دين الإسلام.
من الناس: زيادة بيان على وزان: (وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ).
لله المشرق والمغرب: اللام للملكية، و: "أل" في المشرق والمغرب: جنسية استغراقية، وفي التنزيل: (فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ).
يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ: هداية توفيق، بقرينة تقييد الهداية بـ: "من يشاء"، بخلاف هداية الدلالة والإرشاد فهي مطلقة، وفي التنزيل: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، بالدلالة على أعلام الطريق، فليس لك من أمر القلوب شيء، إذ: (لَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ).
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ:
جعلناكم: جعلا شرعيا فلا يكون شهيدا إلا العدل الذي امتثل أمر الله عز وجل.
القبلة: "أل" عهدية تشير إلى بيت المقدس في قول، وإلى الكعبة في قول ثان، فتكون الكاف في "كنت" زائدة، فتقدير الكلام على ذلك: وما جعلنا القبلة التي أنت عليها، كما أشار إلى ذلك القرطبي، رحمه الله، والأصل عدم الزيادة، فيترجح العهد الأول. والله أعلم.
إلا لنعلم: علم ظهور وانكشاف يتعلق به الثواب والعقاب لا علما أزليا، فذلك مما لا يتعلق به الثواب والعقاب حتي يخرج من العدم إلى الوجود، ومن الغيب إلى الشهادة. وتعلق العلم بالمكتوب في علم الغيب قبل إيجاده غير تعلقه به بعد إيجاده في عالم الشهادة.
وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ: توكيد بالاستثناء المفرغ بـ: "إن" و "إلا" على قول الفراء، رحمه الله، و بـ: "إن" المخففة من المثقلة الناسخة، على قول البصريين، فيكون التوكيد في قولهم قد حصل بـ: "إن" المؤكدة، واللام المزحلقة في: "لكبيرة". وقد تعلق الحكم بوصف "الهداية" الذي اشتقت منه جملة الصلة: "هدى الله".
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ: نفي دل عليه: الكون المنفي ولام الجحود إمعانا في تهدئة خواطر المسلمين الذين خافوا على إخوانهم الذين ماتوا قبل تحويل القبلة، فإن النسخ لا يضر الحي إن عمل بالمنسوخ قبل علمه بورود الناسخ، فكيف بالميت الذي لم ينسخ الحكم في حياته؟!.
إيمانكم: أي صلاتكم، فيكون من إطلاق الكل وإرادة البعض، على قولو أهل السنة، إذ الأعمال من ماهية الإيمان حقيقة لا مجازا، فدلالة الإيمان على الأعمال: دلالة تضمن، فلا يقال بأن إطلاق الإيمان على الأعمال من باب: إطلاق الملزوم وإرادة لازمه، فهذا قول مرجئة الفقهاء، ولا يقال بأنه من باب: إطلاق السبب وإرادة النتيجة، فتكون العلاقة بينهما: التباين في الماهية، كمباينة الثمرة الشجرةَ، إذ ماهية الثمرة غير ماهية الشجرة التي نشأت منها وهذا قول المرجئة، فدلالة الإيمان على الأعمال: دلالة حقيقية لا مجازية، ولو سلم بالمجاز في
¥