تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فالقطع كما تقدم يلفت الانتباه ويشحذ الذهن، بخلاف الرفع الصريح فإنه يعني خمول ذكر المتكلم حتى احتاج إلى أن يعرف نفسه، أو جهل المخاطب حتى احتاج إلى من يعرفه بالمتكلم.

&&&&&

وإلى أقوال أئمة التفسير في هذه الآية:

فالطبري، رحمه الله، بدأ بذكر بعض الروايات التي تذهب إلى أن هذا الأمر خطأ من الكاتب، وهي روايات تمسك بها مثيرو الشبهات، وقد أشار شيخ الإسلام، رحمه الله، إلى بطلانها، ومن أبرزها ما نسبوه لعثمان رضي الله عنه، من قوله: (إن في المصحف لحنا وستقيمه العرب بألسنتها)، وكذا ما نسبوه لأم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، من قولها في هذه الآية وآيات أخرى لعروة بن الزبير رحمه الله: (يا ابن أخي، هذا خطأ من الكاتب).

وبطلان هذه الروايات أظهر من أن يشار إليه، إذ كيف يترك الصحابة، رضوان الله عليهم، هذه الأخطاء، لو صح أنها أخطاء كما يزعم المخالف، في المصحف، وهم أفصح العرب، وبلغتهم نزل القرآن، ثم إن أرباب الفصاحة من كفار قريش، لم يشيروا لهذه الأخطاء التي اكتشفها ذلك الساذج، بعد 14 قرنا من نزول القرآن، مع حرصهم الشديد على القدح في القرآن الكريم، معجزة الإسلام الخالدة، ولكنهم لما كانوا عربا خلصا لم تخالط العجمة ألسنتهم عرفوا هذه المعاني الدقيقة للوهلة الأولى، فأعياهم القرآن بنظمه المحكم، ولم يستطع أحدهم أن يأتي بآية من مثله.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الموضع: لما أورد الطبري، رحمه الله، هذه الروايات التي قد يتمسك بها بعض المغرضين في تفسيره؟!

والجواب: أن كتاب الطبري، رحمه الله، من اسمه، جامع، فهو يجمع كل الروايات التي وردت في تفسير آية معينة، مسندة إلى قائليها، بغض النظر عن صحتها، ومن أسند فقد أحال، أي أنه بإبراز سند الرواية التي يسوقها يكون قد خرج من عهدتها فكأنه يقول للناظر في كتابه: لقد أبرزت لك رجال رواياتي وعليك أن تبحث في حالهم جرحا وتعديلا، وتبحث في الرواية سندا ومتنا من جهة الشذوذ أو النكارة أو العلة الخفية القادحة ...... إلخ، وكذلك الحال في سفره العظيم في التاريخ: "تاريخ الرسل والملوك" فهو يبرز رجال الرواية ويترك بقية الأمر للمتخصص في علوم الرواية، فلا يصح لمستدل أن يقول دليلي ما رواه الطبري في تفسيره أو تاريخه، قبل أن يبحث في حال السند ويتأكد من توفر شروط الصحة فيه، لأن الطبري لم يشترط الصحة، فلم يصنع صنيع البخاري ومسلم، رحمها الله، ليحتج بكل رواية يوردها رأسا، دون بحث، كما هو حال أحاديث الصحيحين، بل إنه قد أكثر في تفسيره من الرواية عن شيخه ابن حميد، وابن حميد، متهم بالكذب، مع كونه حافظا، فهل يصلح إسناد فيه متهم بالكذب للاحتجاج؟!!!، ومما رواه عن ابن حميد، القول المنسوب لأم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، بوقوع الخطأ من الكاتب فسياق الإسناد في كتابه:

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه سأل عائشة: ......... إلخ.

وهذا الأمر في غاية الدقة، لأنه بالبحث في رجال روايات الطبري في تفسيره وتاريخه يسد باب شر عظيم قد يلج منه المغرضون للطعن في القرآن، كما هو الحال في هذا الموضع، أو للطعن في الصحابة، رضوان الله عليهم، عند مطالعة الروايات التي أوردها في أحداث الفتنة التي وقعت في آخر عهد عثمان، رضي الله عنه، وما تلا ذلك من أحداث، والله أعلم.

وقد اعتذر، رحمه الله، عن ذلك في مقدمة تاريخه بقوله:

"فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه أو يستشنعه سامعه من أجل أنه لم يعرف له وجها في الصحة ولا معنى في الحقيقة فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا وإنما أتي من قبل بعض ناقليه إلينا وإنا إنما أدينا ذلك على نحو ما أدي إلينا". اهـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير