تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"وقيل: {إنٍ} بمعنى نعم الجوابية ولا عمل لها حينئذ، فما بعدها مرفوع المحل على الابتداء والمرفوع معطوف عليه، وضعفه أبو حيان بأن ثبوت {إنٍ} بمعنى نعم فيه خلاف بين النحويين". اهـ

فلا تخرج آيات التنزيل على أوجه شاذة أو قليلة أو مختلف فيها مع إمكان تخريجها على ما لا خلاف فيه، فالمجمع عليه أولى بالقبول من المختلف فيه، وإن كان الخلاف معتبرا.

وإلى وجه لغة بلحارث الذين يلزمون المثنى الألف فيقاس عليه إلزام جمع المذكر السالم الواو، أشار الألوسي، رحمه الله، أيضا، بقوله:

"وقيل: إنه منصوب بفتحة مقدرة على الواو والعطف حينئذ مما لا خفاء فيه، واعترض بأن لغة بلحارث وغيرهم الذين جعلوا المثنى دائماً بالألف نحو رأيت الزيدان ومررت بالزيدان وأعربوه بحركات مقدرة، إنما هي في المثنى خاصة، ولم ينقل نحو ذلك عنهم في الجمع ........ والمسألة مما لا يجري فيها القياس فلا ينبغي تخريج القرآن العظيم على ذلك". اهـ

فاللغة توقيفية سماعية، فلا يقال بأن لغة بلحارث تجري على الجمع قياسا على المثنى، لأن هذه اللغة لم تسمع منهم، خاصة، إلا في المثنى.

فمن قاس: إن المحمدون مجدون، بإلزام جمع المذكر السالم على الواو ونصبه بفتحة مقدرة، على: إن المحمدان مجدان، بإلزام المثنى الألف ونصبه بفتحة مقدرة، فقد أجرى القياس فيما لا قياس فيه أصلا، إذ اللغة كما تقدم: سماعية مستندها النقل، وإن جاز القياس فيها فهو الاستثناء لا الأصل، فلا يكون في لغات قبائل بعينها لم تشتهر على ألسن بقية القبائل.

وقد قرأ أبيّ رضي الله عنه: «والصابئين»، بالنصب. وبها قرأ ابن كثير المكي، رحمه الله، وهي قراءة متواترة لا إشكال فيها.

&&&&&

ومن جهة الصناعة البلاغية:

ففائدة هذا التغيير في السياق:

"التنبيه على أن الصابئين يتاب عليهم إن صحّ منهم الإيمان والعمل الصالح، فما الظنّ بغيرهم. وذلك أن الصابئين أبين هؤلاء المعدودين ضلالاً وأشدّهم غياً، وما سموا صابئين إلا لأنهم صبئوا عن الأديان كلها". اهـ، من كلام الزمخشري في كشافه.

فالعرب إذا أرادت استرعاء انتباه المستمع إلى معنى معين، غيرت حركة إعرابه، لجذب انتباه المستمع، فلو كان السياق: إن الذين آمنوا .............. والصابئين، لما انتبه المستمع إلى المعنى الذي ذكره الزمخشري آنفا، فلما غيرت حركة إعراب: "الصابئون"، تنبه المستمع إلى وجود معنى ما اقتضى هذا التغيير الإعرابي.

"كما فعل الشاعر في البيت المتقدم:

وإلا فاعلموا أَنّا وأنتم ******* بُغاةٌ ما بقِينا في شقاق

إذ قدم قوله: (وأنتم) تنبيهاً على أن المخاطبين أوغل في الوصف بالبغاة من قومه، حيث عاجل به قبل الخبر الذي هو (بغاة) لئلا يدخل قومه في البغي قبلهم، مع كونهم أوغل فيه منهم وأثبت قدماً". اهـ، من كلام صاحب الكشاف أيضا.

فالتقديم والتأخير وتغيير السياق، كما تقدم، لا يكون إلا لنكتة بلاغية.

وعن معنى الصابئ يقول ابن كثير رحمه الله:

"وأظهر الأقوال، والله أعلم، قول مجاهد ومتابعيه، ووهب بن منبه: أنهم قوم ليسوا على دين اليهود ولا النصارى ولا المجوس ولا المشركين، وإنما هم قوم باقون على فطرتهم ولا دين مقرر لهم يتبعونه ويقتفونه، ولهذا كان المشركون ينبزون من أسلم بالصابئي، أي: أنه قد خرج عن سائر أديان أهل الأرض إذ ذاك". اهـ

و "صبا" بمعنى: "مال" فكأن الصابئ قد مال عن الأديان فخرج منها جميعا.

وأشار أبو العباس ابن تيمية، رحمه الله، إلى أن: "الصابئين" صنفان:

صنف صبأ بمعنى "مال" عن أديان الأرض إلى دين الإسلام فدخل فيه، فهذا الصنف محمود السيرة، وهو المراد في هذه الآية، ولذا غيرت حركة إعرابه تنويها به، ليلتفت السامع متسائلا عن حال أولئك الصابئين، فيجاب بأنهم: قوم خرجوا من أديانهم ودخلوا في السلم كافة.

وإليه أشار بقوله: "الصائبون الحنفاء كالذين كانوا من العرب وغيرهم على دين إبراهيم وإسماعيل وإسحاق قبل التبديل والنسخ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير