إن كيد الشيطان كان ضعيفا: علة ما قبله، وفيه من الإلهاب والتهييج للمقاتلين ما فيه إذ يزيل عنهم رهبة نزال أولياء عدو ضعيف، فهم بوصف الضعف أحق، إذ ليسوا سوى أذناب له، فإذا كان الأصل ضعيفا، فالفرع أضعف وأضعف.
وفي السياق: شبه كمال الاتصال بين العلة ومعلولها، مما سوغ الفصل، وقد أكدت العلة بـ: "إن" واسمية الجملة: "إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا".
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[21 - 02 - 2009, 05:43 م]ـ
ومن قوله تعالى: (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا):
فقاتل: فيه إيجاز بحذف شرط مقدر، إذ تقدير الكلام: إذا كان الأمر كذلك فلتقاتل في سبيل الله، وفيه أيضا، تلوين في الخطاب بالالتفات من مخاطبة الجميع في قوله تعالى: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) إلى مخاطبة الفرد، وهو النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإلى ما سبق أشار أبو السعود، رحمه الله، وقد يقال بأن العموم مستفاد من جهة أن الأصل في خطابات الشارع، عز وجل، العموم، فخطاب المواجهة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بوصفه المبلغ عن ربه فيتوجه إليه الأمر والنهي أول ما يتوجه وأمته تبع له في ذلك.
وقوله تعالى: (لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ): تخفيف عن المكلف، فلا يتحمل وزر غيره على وزان قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)، فلو كفر أهل الأرض جميعا ما ضر المؤمن من ذلك شيء إذا قام بواجب التكليف في نفسه والبلاغ والإرشاد لغيره، وليس عليه أن يؤمن غيره، إذ ذلك ليس له أصلا، فتكليفه به: تكليف بما لا يطاق.
وقوله تعالى: (وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ): فلا يملك حملهم على الامتثال، إذ خلق إرادة الطاعة الجازمة والقدرة التامة في العباد مما اختص به الله، عز وجل، فليست هداية التوفيق إلا له، وإنما بعثت الرسل عليهم السلام بهداية الإرشاد.
وقوله: (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا): عدة من الله، عز وجل، وهي واجبة، إذ لا يجوز في حقه، جل وعلا، إخلاف الوعد مصداق قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ)، وإن جاز إخلاف الوعيد في حقه، جل وعلا، تكرما، فالكريم إذا وعد أوفى وإذا توعد صفح.
(وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا): إظهار الاسم الجليل: اسم الرب الكريم: لفظ الجلالة: "الله" في موضع الإضمار تربية للمهابة، كما ذكر ذلك أبو السعود، رحمه الله، وفي إعادة الخبر: "وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا" مزيد توكيد، فالإطناب في مقام الإلهاب للمؤمنين لحملهم على القتال والتهديد للكفار لحملهم على الإيمان مظنة البسط في العبارة.
وفي الآية: جناس بين "بأس" و: "بأسا" فمقابل بأسهم بأس الباري، عز وجل، وشتان!!!.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[24 - 02 - 2009, 09:50 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا).
لا يستوي: نفي تسلط على المصدر الكامن في: "يستوي" فأفاد العموم وفي الخبر تعريض يلهب همة القاعد القادر ليقوم ذبا عن الملة.
من المؤمنين: احتراس، فهم مع نقصهم بالقعود: مؤمنون، فدل ذلك على زيادة الإيمان ونقصانه وتفاوت أهله فيه مع اشتراكهم في قدر كلي مجزئ في إثبات اسم الإيمان.
غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ: احتراس آخر، فالقدرة مناط التكليف.
فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً: إظهار في موضع الإضمار تأكيدا على المظهر فيصح في غير القرآن: فضل الله الآخرين على الأولين، ولكنه أظهر عناية ببيان الفارق بينهما، وتنكير درجة مئنة من التعظيم.
وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى: احتراس لئلا يقنط القاعدون فهم من أهل الوعد وإن قصروا في هذا الباب، فأبواب الدين كثيرة فمن قصر في باب أو حيل بينه وبين الولوج منه فليعدل إلى باب آخر يسره الله، عز وجل، له، فلن يعدم باب خير يليق بحاله، وذلك من فضل الله عز وجل. فمن فتح له باب من الصلاة فليلج منه، ومن فتح له باب من الزكاة فليلج منه ..... إلخ.
وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا: إطناب في معرض الوعد على غرار ما تقدم من إلهاب الهمم.
و "أجرا عظيما" ينزل منزلة البيان لإبهام: "درجة".
دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً: بيان بعد بيان، وفيه إطناب في معرض الوعد كما تقدم.
و: "من" في: "منه": لابتداء الغاية تشريفا لتلك الدرجات بإضافتها إلى خالقها، عز وجل، على وزان قوله تعالى: (وَرُوحٌ مِنْهُ)، فشرف روح المسيح عليه السلام بنسبتها إلى خالقها على جهة الاختصاص وإن كانت كل الأرواح منه خلقا، وشرف درجات الجنان المخلوقة بنسبتها إلى خالقها، عز وجل، إذ شرف الدرجة من شرف مانحها، وأي درجة أعظم من درجة أعدها الله، عز وجل، لعباده المؤمنين في دار المقامة؟!!.
وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا: تذييل لفظي يناسب ما تقدم من الوعد.
والله أعلى وأعلم.
¥