ـ[مهاجر]ــــــــ[02 - 03 - 2009, 08:21 ص]ـ
قوله تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)
أمر بصيغة المفاعلة، فيه زيادة معنى بزيادة المبنى بألف المفاعلة على وزان قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
في سبيل الله: قيد فارق بين جهاد أهل الدين وجهاد أهل الدنيا.
الذين يقاتلونكم: قيد آخر، على القول بأن هذه الآية نص في الأمر بقتال الدفع ذبا عن الملة، إذ الأمر فيها مظنة الوجوب ولا صارف له، فتكون تالية في التشريع لقوله تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)، على القول بأن الإذن فيها يعني الإباحة دون إلزام، كما أثر عن الصديق رضي الله عنه.
وفي السياق جناس بين: "وَقَاتِلُوا"، و "يُقَاتِلُونَكُمْ"، فمادة الاشتقاق: "القتل" واحدة، وهي علة الأمر، إذ دل عليها لفظ الحكم: "قاتلوا" وجملة الصلة: "يقاتلونكم" التي سيقت لبيان العلة إذ علق الحكم على الوصف الذي اشتقت منه.
وتكون المرحلة التالية: الأمر بجهاد الطلب، إن تيسرت أسبابه حملا للرسالة، وإزاحة للطواغيت التي تحول بين نور الوحي وأمم الأرض، وهي التي جاء بها قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)، وقوله تعالى: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ).
وتكون المراحل على قول بعض أهل العلم: ناسخة لبعضها البعض، فتحريم في مكة، فإذن، فجهاد دفع، فجهاد طلب.
والنسخ في عرف المتقدمين يطلق على كل زيادة، وإن لم تكن ناسخة بالمعنى الاصطلاحي المعروف الذي يلزم منه رفع الحكم المتقدم بالحكم المتأخر، فزيادة الحكم في مسألة لا يلزم منها نسخ بقية الأحكام، إذ قد يكون في المسألة أكثر من صورة، ولكل صورة حكم، فلا تتعارض الأحكام، وإنما تتكامل، وإعمال النصوص أولى من إهمالها، كما قرر ذلك أهل العلم. فتكون آيات القتال على الصحيح من أقوال المحققين من أهل العلم: منسوءة لا منسوخة، فلكل حال حكم، فليست صورة القتال: قتال طلب فقط باعتبار كونه ناسخا لما قبله، فيؤمر المسلمون بغزو عدوهم وإن كانوا قلة مستضعفة يخشى فناؤها في قتال غير متكافئ، وإنما لكل صورة حكم، فأحيانا تكون المصلحة الشرعية في كف الأيدي وتحريم القتال، كما كان حال الفئة المستضعفة في مكة، إذ لو حملوا على قريش، لأفنتهم، والشريعة إنما يقام بنيانها على ملاحظة الأسباب، فليس من الحكمة إقحام المسلمين ابتداء في معارك غير متكافئة، بخلاف ما لو دهم العدو أرضهم، كما حدث في نازلة غزة الماضية، فلا مناص حينئذ من حمل السلاح دفعا للعدو عن محلة المسلمين.
وأحيانا يكون الأمر: أمر دفع، فيؤمر أهل المحلة كلهم بدفع عدوهم إن دهم أرضهم كل حسب استطاعته.
فإذا قويت شوكة المسلمين وصارت لهم الدولة وجب عليهم تجييش الجيوش وبدء العدو بالقتال، وجوبا كفائيا، فصار الحكم منوطا بعلله المختلفة التي تختلف باختلاف صوره، فمتى وجدت علة نوع من القتال وجد حكمه، ومتى تخلفت تخلف حكمه.
وإلى طرف مما سبق أشار القرطبي، رحمه الله، بقوله:
"وقال الجمهور من الأمة: أول فرضه إنما كان على الكفاية دون تعيين، غير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استنفرهم تعين عليهم النفير لوجوب طاعته ............... قال ابن عطية: والذى استمر عليه الإجماع أن الجهاد على كل أمة محمد صلى الله عليه وسلم فرض كفاية، فإذا قام به من قام من المسلمين سقط عن الباقين، إلا أن ينزل العدو بساحة الإسلام فهو حينئذ فرض عين". اهـ
بتصرف من: "الجامع لأحكام القرآن"، (3/ 35).
¥