تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وذلك التفاوت يقع أيضا في حكم الجهاد فإنه قد يكون محرما في حق بعض المكلفين، كجهاد التطوع بلا إذن الأبوين، وقد يكون مستحبا باعتبار الأفراد واجبا كفائيا باعتبار الجماعة، في أزمنة القوة والتمكين، وقد يكون واجبا عينيا، كجهاد الدفع إذا دهم العدو المحلة، كما تقدم، وكتعيين الإمام، إن كان للمسلمين إمام، لمكلف بعينه، فإنه يصير حينئذ واجبا في حقه، وإن لم يجب على غيره، فالأحكام تتفاوت تبعا لتفاوت أحوال المكلفين، وكحضور القتال فيحرم التولي إلا انحيازا إلى فئة.

وقوله: "ولا تعتدوا": احتراس لئلا يقع من الدافع تعد، فيكون القتال حينئذ كدفع الصائل الذي يرد عدوانه بما يردعه دون زيادة تعد، فإن دفع بالأدنى فقد حصل المطلوب فلا يصار إلى الأعلى ابتداء، وإنما الضرورة تقدر بقدرها، وهذا على القول بأن الآية في نص جهاد الدفع على التفصيل المتقدم.

وقد تسلط النهي على المصدر الكامن في: "تعتدوا": فأفاد العموم، وقد ذيلت الآية تذييلا لفظيا من جنس مادة: "العدوان" التي وقعت في حيز النهي بصيغة التعليل لما قبله بلا وصل، فصارت الصورة من صور: شبه كمال الاتصال، لقوة الرباط المعنوي بين المعلول المتقدم والعلة المتأخرة التي تولدت من السؤال المقدر بـ: وما علة ذلك النهي؟، فجاء الجواب مصدرا بـ: "إن" التوكيدية فأفاد معنى التعليل وإن لم يكن نصا صريحا فيه، وإنما جاز ذلك لدلالة القرينة السياقية عليه، وهي قرينة معتبرة في تحديد المعنى المراد.

وأكدت جملة التعليل أيضا بـ: اسمية الجملة، والفاعل المستتر في عامله: "يحب"، وجيء به مضارعا مئنة من التجدد، وذلك أدعى إلى دوام المراقبة لئلا يقع التعدي الذي لا يحبه الله، عز وجل، وقد علق الحكم على مادة العدوان التي اشتق منها النهي: "ولا تعتدوا" والصفة المشبهة: "المعتدين" فبينهما جناس اشتقاقي لاتحاد مادتهما، وذلك أبلغ في تقرير الحكم.

وقد يقال بأن في الآية: إيجازا بالحذف دل عليه السياق اقتضاء، على قول من قال بأن هذه الآية محكمة عامة في كل أحوال القتال، فيؤول المعنى إلى: وقاتلوا في سبيل الله الذين من شأنهم أن يقاتلوكم، وذلك عام في كل الأحوال: إذنا ودفعا وطلبا، فالمقاتِل من شأنه أن يقاتل المقاتََل بداهة، وإلا لم يقع قتال أصلا!!، ولا تعتدوا في رده إن كان الجهاد دفعا، ولا تعتدوا بقتل من نهيتم عن قتله من النساء والشيوخ والأطفال والرهبان، وقد يترجح هذا المعنى من جهة عمومه لكل صور القتال بخلاف المعنى الأول الذي اقتصر على صورة بعينها، وحمل النصوص على العموم أولى وأبلغ في تقرير جملة من الأحكام بلفظ واحد. .

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[03 - 03 - 2009, 07:52 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)

قتال فيه: بدل اشتمال، أورد مورد الخاص بعد العام، أو المبين بعد المجمل تنويها بشأنه، فهو محط الفائدة المرادة بالحكم ابتداء، فالمبدل منه: "الشهر الحرام" على نية الطرح، وإنما جيء به توطئة لما بعده، ونكر القتال: إرادة العموم، فالسؤال عن حكم القتال في الشهر الحرام مطلقا، لا عن قتال بعينه، كما أشار إلى ذلك أبو السعود، رحمه الله، إذ الأصل في النصوص: العموم لتشمل كل الصور فتفيد أحكاما متكاثرة بألفاظ يسيرة المبنى عظيمة المعنى، والتنكير مظنته، والعبرة كما يقول الأصوليون بـ: عموم اللفظ لا بخصوص السبب، فلا يخصص سبب النزول، وهو سرية ابن جحش رضي الله عنه، عموم النكرة: "قتال"، وإن كان قطعي الدخول فيها، فإن دخوله لا يمنع دخول غيره من صور القتال في الشهر الحرام، وإنما الشأن: شأن فرد من أفراد العام ذكر لكونه أولها

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير