تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[19 - 03 - 2009, 07:40 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)

فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم:

طباق بالسلب، يبين حقيقة عقيدة أهل الإسلام في القضاء والقدر، فلم تقتلوهم كونا، وإن باشرتم سبب ذلك شرعا، برميهم، فإن السبب، وإن كان مؤثرا في وقوع المسبب، إلا أن تأثيره لا يكون إلا بعد إذن الله، عز وجل، الكوني، بنفاذه، فلا بد له من شروط يستوفيها وموانع تنتفي، وفي ذلك من الحث على بذل الأسباب في القتال دون الركون إليها ما فيه، فيعد المجاهد عدته، ويستفرغ وسعه وطاقته، فيمتثل أمر الشرع، والله، عز وجل، هو الذي يجري النصر فضلا، أو الهزيمة عدلا.

وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى: طباق آخر بالسلب يزيد المعنى المتقدم بيانا، فهو بمنزلة التكرار المؤكد، فما رميت: رمي الإصابة، فذلك لا يكون إلا بإذن الله الكوني النافذ، إذ رميت: باذلا وسعك ممتثلا الأمر الشرعي بقتالهم، ولكن الله رمى: فيسر الأسباب ونفى الموانع، فأصاب رميك من العدو مقتله، فالرمي الكوني لا يعارض الرمي الشرعي، إذ رميت شرعا أولا، فرمى الله، عز وجل، لك كونا ثانيا، وتلك عقيدة أهل الإسلام: أخذ بالأسباب الشرعية مع تمام التوكل على مجري الأسباب الكونية.

وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا: أي نعمة، فالبلاء على ذلك من المتضادات إذ يدل على النعمة والنقمة معا، والسياق الذي يرد فيه اللفظ هو الذي يعين المعنى المراد، والسياق هنا: سياق امتنان على المؤمنين يشهد لمعنى النعمة، فضلا عن وصف البلاء بالحسن، فتلك قرينة لفظية تقطع بإرادة معنى النعمة، وتعليق البلاء الحسن على وصف الإيمان الذي اشتق منه وصف: "المؤمنين" مئنة من الحض على التزام ذلك الوصف لينال صاحبه تلك النعمة الربانية السابغة.

والله سميع عليم: تذييل معنوي يناسب السياق إذ سمع الله، عز وجل، دعاؤهم في أرض المعركة، وعلم صدق ما في قلوبهم، فرمى لهم، فكان نصر بدر الذي جرت بذكره الركبان.

والله أعلى وأعلم.

ـ[محب البيان]ــــــــ[20 - 03 - 2009, 03:13 م]ـ

جزاك الله عنا كل خير ...... وزادك من علمه وفضله ونفع بك المسلمين،،

ـ[مهاجر]ــــــــ[22 - 03 - 2009, 08:15 ص]ـ

وجزاك خيرا أخي محب، وبارك فيك، ونفعك ونفع بك، وزودك من التقوى والعلم والفضل والأدب زادا لا ينفد، وعذرا على التأخر في الرد.

ومن قوله تعالى: (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)

توكيد في مقام الوعد، تعلق من جهة الفاعلية، بالرب، جل وعلا، إذ مقام الربوبية في الآية ظاهر من جهة: الابتلاء الكوني بالإخراج من الديار والأموال، وبمشقة الجهاد، وهي غير مرادة لذاتها، وإنما لزمت القتال لزوم المشقة أي تكليف، فلا يخلو التكليف من مشقة، وإن دقت، وذلك، أيضا، من السنن الكونية المتعلقة بربوبية الله، عز وجل، الذي قضى بحكمه الكوني النافذ بتلازم الفعل والمشقة.

ومن جهة: الوعد بالمغفرة والرحمة، فذلك لا يكون إلا من الرب الذي بيده مقاليد الكون: تدبيرا وتصريفا، يغفر لمن يشاء فضلا ويعذب من يشاء عدلا.

لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا:

تعلق آخر للوعد من جهة فعل العباد، فالتعلق الأول من جهة فعل رب العباد، فعلق الحكم على الأوصاف التي اشتقت منها الصلة ومتبوعاتها: الهجرة والجهاد والصبر، وعطف الصبر على الجهاد: عطف متلازمين فلا يكون جهاد إلا بصبر، بل لا تكون طاعة مطلقا إلا بصبر، وإنما نص على الصبر هنا، لكونه أظهر في تلك العبادة الشاقة من بقية العبادات.

تماما كما نص على الاستطاعة في عبادة الحج في قوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)، إذ هي في الحج تزيد عن الاستطاعة التي تجب لكل عبادة، فقد فسرت في أحاديث لا تخلو أسانيدها من مقال بالزاد والراحلة، وذلك قدر زائد عن الاستطاعة التي يتعلق بها التكليف ببقية العبادات.

إن ربك: إطناب بالتكرار توكيدا، ولطول الفصل على وزان:

لقد علم الحي اليمانون أنني ******* إذا قلت أما بعد أني خطيبها.

لغفور رحيم: توكيد باللام في خبر الناسخ المؤكد، والتذييل بصفتي المغفرة والرحمة الخاصة: الرحمة بالمؤمنين: رحمة: "الرحيم": فيه من التناسب بينهما، إذ كلاهما لا يكون إلا بالمؤمنين، بخلاف الرحمة العامة: رحمة: "الرحمن" فهي بالغة المؤمن والكافر، فضلا عن التناسب مع بقية الآية، إذ الوعد بهما مقابل ما لقيه المؤمنون من ابتلاء يحمل المكلف على الصبر، بل الرضا، طمعا في عطاء المغفرة والرحمة، وذلك عطاء تفرد به الرب جل وعلا، فلا يكون لملك مقرب أو نبي مرسل.

والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير